توزيع الثروة في العالم والوطن العربي

توزيع الثروة في العالم والوطن العربي

14 ديسمبر 2023
الوطن العربي بحاجة ماسة إلى منطقة تجارة حرة (Getty)
+ الخط -

بحسب الإحصاءات المتاحة من قبل البنك الدولي، فإن أغنى عشر دول في العالم تحظى بدخل يساوي حوالى 65% من دخل العالم كله، الذي يصل تعداد بلدانه إلى 177 دولة توافرت عنها هذه الإحصائية.

وبالطبع، فإن معدل دخل الفرد بين هذه الدول، هو الأعلى من حيث الناتج المحلي الإجمالي. ويبلغ معدل الدخل في الولايات المتحدة صاحبة أعلى ناتج محلي اجمالي حوالى ( 70.3) ألف دولار سنوياً.

أما الهند التي تقع في المركز الخامس من حيث الناتج المحلي، فإن معدل الدخل فيها لعام 2021 حوالى 2257 دولاراً فقط، أي ما يساوي 3.2% فقط من معدل دخل الفرد الأميركي.

أما معدل دخل الفرد في الصين، "ثاني أكبر اقتصاد في العالم"، فقد بلغ (12.7) ألف دولار، ولكن هذا الرقم لا يساوي سوى (18%) من معدل الدخل في الولايات المتحدة.

والأغرب من هذا كله، أن أصحاب المليارات الجدد يأتون من الولايات المتحدة والصين والهند، حيث يجدون ملاذات آمنة للتهرب من الضرائب. ومصدر دخل هؤلاء يأتي طبعاً من التطورات التكنولوجية المذهلة في ميادين الذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الرقمي، والأدوية، والتطورات المذهلة في قطاع الإنشاءات ومن الطاقة ومصادرها.

وقد تبين من الإحصائيات والتقارير السنوية التي يقدمها الاجتماع السنوي للمنبر الاقتصادي الدولي (WEF) الذي يُعقَد في دافوس، أن أغنى 1% يملكون أقل بقليل من (50%) من الثروة في العالم، فيما يحصل أفقر خمسين في المائة من سكان العالم على أقل من واحد في المائة (0.75%) من الثروة.

موقف
التحديثات الحية

ومن الملاحظ أن في العالم، حسب الإحصاءات، 2.81 مليون شخص من أصحاب المليار وأكثر، يسيطرون على أكثر من 50% من ثروة العالم بأشكالها المختلفة.

ومع هذا، فإن هذه الفئة من الأغنياء فوق العادة تدفع أقل نسبة مئوية من الضرائب، ولا تشكل الضريبة على الثروة سوى أربعة سنتات على كل دولار. وتبين من الإحصاءات أن أغنى أشخاص في العالم يعيشون في مناطق ودول لم يسمع بعضها بضريبة الثروة، أو لا تصل فيها إلا إلى نسب ضئيلة جداً.

وللدلالة على حجم التفاوت على المستوى النسائي، فإن 10 من أصحاب المليارات يملكون ثروة أكثر مما تملكه (200) مليون أمرأه في افريقيا. وهذا الرقم يكتسب أهمية خاصة إذا علمنا أن عدد النساء في القارة السوداء يبلغ 714 مليون نسمة.

وهذه الحقائق الواردة في تقرير (Global Citizen) أو "المواطن الدولي" تشير إلى إحصائية صادرة عن البنك الدولي تقول إن تقديرات البنك بعد انتشار كوفيد19 تؤكد أن أربعين في المائة من أفقر الناس في العالم شهدوا تراجعاً في دخلهم، مقابل 20% شهدوا تراجعاً في دخول الأشخاص الأغنى في العالم.

ومن هنا، فقد تفاقمت مشكلة المديونية في الدول الأفقر، وتشير الإحصاءات إلى أن الدول الفقيرة تنفق 4 أضعاف ما كانت تدفعه لسداد ديونها التي اقترضت من دول أغنى ومؤسسات أكثر ثروة.

ولهذا، فقد صدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد في دافوس هذا العام تقرير ينادي بضرورة سنّ تشريعات لزيادة الضرائب على الثروة. وسبق للمنتدى قبل ذلك أن طالب الدول بوضع إطار لمراقبة انتقال الأموال إلى الملاذات الضريبية الآمنة في العالم، وإخضاع الأموال المودعة لديها لضرائب ذات نسب مرتفعة من أجل تحسين صورة توزيع الثروة في العالم.

وما عزز مثل هذه المطالب، اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء، واستمرار هذه الهوة في التوسع. ويقدر أن أغنى (1%) من الأغنياء يحصل على ثلثي الثروة الجديدة في العالم مقابل الثلث لـ( 99%) الباقين من سكان العالم.

موقف
التحديثات الحية

ولو عدنا إلى الوطن العربي، لرأينا أن تقرير المنظمة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (ESCWA) الصادر في شهر مارس/ آذار من عام 2022 والموسوم بـ"صعود تاريخي في تركز الثروة في المنطقة العربية: أغنى 10% يسيطرون على أكثر من 80% من الثروة". ويؤكد التقرير أن توزيع الثروة بعد آفة كوفيد 19- قد ازداد سوءاً.

فقبل انفجار هذا الوباء، كانت دولتان عربيتان فقط من أسوأ دول العالم من حيث عدالة توزيع الدخل والثروة. أما بعد الوباء، فقد ارتفع عددها إلى ست دول، هي البحرين، الإمارات العربية المتحدة، اليمن، المملكة العربية السعودية، عُمان والكويت. ويقول التقرير إن الوباء زاد ثروة الأغنياء بنسبة 20%، على ما كان عليه عام 2019.

ويحذر التقرير من أن استمرار الوضع على حاله سيفاقم الأمور إلى حد خطير. وقال التقرير إن السياسات الحكومية المتعلقة بالإصلاح الضريبي قد وضعت العبء الأكبر لزيادة الضرائب على الطبقة الفقيرة وتحت المتوسطة.

فهي من ناحية زادت الضرائب على الفقراء، ومن ناحية أخرى قللت عنهم الدعم الذي كانوا يحصلون عليه في أسعار المواد الغذائية، والكهرباء والمياه والوقود.

وهذه السلع تشكل معظم الإنفاق الأسري للفقراء ومتوسطي الدخل. أما الأغنياء، فهم ينفقون نسباً أقل من دخولهم على هذه المواد والخدمات، ما يجعل النسبة الضريبية على دخلهم منها قليلة.

ومع أن الهدف من هذا الإصلاح كان يهدف إلى الخروج من حالة الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الإنتاجي، إلا أنه ينال من الفقراء. وفي الدول النفطية التي تستضيف عدداً كبيراً من العمالة المقيمة، فإن رفع الدعم وإغلاق باب العلاج والتعليم في المستشفيات والمدارس الحكومية أمامهم، قد دفعهم إلى طلب هذه الخدمات من المدارس والمستشفيات الخاصة المكلفة.

ونتيجة لهذه السياسات، فقد تأثر توزيع الدخل والثروة في الدول التي تأتي منها تلك العمالة الوافدة، لأن مدخراتهم أو فوائض دخولهم التي كانوا يرسلونها إلى بلدانهم قد تراجعت. وحيث إن كثيراً من الأسر في الدول المرسلة للعمالة اعتمدت في مشروعاتها وسداد فجوة موازناتها من الأموال المحولة لهم من العاملين في دول الخليج، فقد زادت هوة الفقر.

وهناك دلائل تؤكد أن الدول العربية تعاني من المنافسة الحادة من دول آسيا. وقد نشر موقع GDP مقالاً بقلم ريتشي ليونيل (Richie Lionel) في شهر يناير/ كانون الثاني من هذا العام، يؤكد فيه أن الحوالات تساهم في سد فجوة الفقر في الدول النامية المرسلة للعمال. وتزيد من مرونة الاقتصادات هذه الدول على مواجهة التقلبات الاقتصادية (Economic Resilience.

وقد كانت أكثر دولة ترسل حوالات إلى الخارج هي الولايات المتحدة وروسيا والسعودية، بينما كانت أكبر الدول المستفيدة من الحوالات هي الهند (مائة مليار عام 2023)، ثم الصين، ومن بعدها المكسيك ومصر والفيليبين وباكستان وبنغلادش ونيجيريا، وحصل لبنان على (6.3) مليارات دولار عام 2021، بينما حصل الأردن في ذلك العام على (4.55) مليار دولار.

إن الوطن العربي بحاجة ماسة إلى التأمل والتفكر من أجل الوصول إلى منطقة تجارة حرة عربية تكون دول الخليج نواتها، لأن حالة الانفلات والتفرد الحالية ستؤدي إلى زيادة هوة الفقر والغنى بين الدول وداخل الدول.

والدول العربية ستستفيد من توسيع الأسواق المتاحة أمام صناعاتها، والتركيز على الصناعات ذات التكنولوجيا المتقدمة من أجل زيادة نسبة تنافسيتها في السوق العالمية.

موقف
التحديثات الحية

صحيح أن مثل هذا المقترح يأتي في زمن لم تكن الدول العربية أضعف حالاً ولا أكثر فرقة، وكل ما يجب أن يجمعهم يفرقهم، وأن الكثيرين يتساءلون عندما يسمعون أحداً يقول مصطلح (الوطن العربي): ماذا تقصد بالوطن العربي؟ وأين هو هذا الوطن؟

ولكن يجب ألا نيأس من ذلك. لقد فرقتنا الخلافات والاتهامات والتدخلات الخارجية. ولكن آن الأوان لأن ندرك أن أهم عنصر هو أن تحول كل مشتركاتنا إلى ثروات اقتصادية. فاللغة يجب أن تيسر لنا البرمجيات الإلكترونية والمحتوى العربي، وتفتح لنا أبواب التواصل في العلم والمعرفة.

ولا بد أن نتذكر أن أكبر الشركاء التجاريين في العالم هم الجيران في الجغرافيا، فإن لم نثق ببعضنا في حرية الدخول والخروج كأشخاص، فلنسمح بذلك للمنتجات.

ويجب أيضاً أن نستخدم علماءنا ومختصينا وخبراءنا ليكونوا الرصيد المرجعي لنا في المجالات التكنولوجية والطبية والهندسية والدوائية والطاقة.

بعض العالم يريدنا أن نستمر على حالنا، وكثير من الدُّوَل تريدنا أن نكون وحدة اقتصادية. أما نحن، فعلينا أن نتناسى خلافاتنا حتى لا يحصل لنا ما يحصل في غزة العزة.

المساهمون