تفكيك أزمة السودان: العودة إلى تفعيل الإنتاج لزيادة الموارد

تفكيك أزمة السودان: العودة إلى تفعيل الإنتاج لزيادة الموارد

06 فبراير 2022
يواجه الشباب مستقبلاً مجهولاً (ياسويوشي شيبا/ فرانس برس)
+ الخط -

تعرض الاقتصاد السوداني إلى هزات عنيفة خلال الفترة الماضية ما جعله متعثراً أمام النهوض مرة أخرى. تظهر البيانات الدولية تراجع مستويات التنمية وزيادة الفقر والبطالة في البلد المأزوم سياسياً واقتصادياً وأمنياً. وبينت الأمم المتحدة أن حوالي 52 في المائة من السودانيين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد، فيما هرب الكثير من المستثمرين بسبب الركود التضخمي الذي تعاني منه البلاد.

ومع تزايد فقدان الثقة في نهوض الاقتصاد السوداني وتحسين معيشة المواطنين، يطرح عدد من خبراء الاقتصاد عبر "العربي الجديد" برامج تساهم في التوصل إلى حلول للخروج من الأزمة القائمة.

يرى الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان أن مخرج الأزمات الاقتصادية في السودان يكمن في زيادة الإنتاج، ولكنه يقول إن الإنتاج يتطلب تمويلاً واستثمارات دولية وسياسات اقتصادية جاذبة للمشاريع الجديدة، خاصة بعد انفلات التضخم وهروب الكثير من الاستثمارات المحلية والأجنبية إلى الخارج. ويأمل عثمان في عودة تلك الأموال مجدداً إلى السودان إن وجدت سياسة واضحة تدعم عملية الإنتاج وقوانين تنظم دورة الاقتصاد، مؤكداً أن السودان يعتبر من الدول الواعدة في كافة المجالات إذا وجدت قوانين منظمة للسوق وأخرى ضابطة له.

بدوره، يقول الباحث الاقتصادي هيثم محمد فتحي، إن الاقتصاد السوداني تعرض لفقدان الكثير من مصادر الدخل منذ ديسمبر/ كانون الأول 2018، بما في ذلك معظم الإيرادات النفطية، وإيرادات التصدير، وكذلك تحويلات العاملين في الخارج، إلى جانب إيرادات قطاعي السياحة والاستثمار الأجنبي.

ويلفت إلى أن هذه الأزمات وضعت الحكومة الانتقالية أمام معضلة كبيرة، وقلصت من الخيارات المتاحة أمامها لمواجهة الواقع المعقد. ويتوقع فتحي أن ينتعش الاقتصاد بعد أن يستغرق بعض الوقت، فالمشكلات لا تزال موجودة وتتمثل في تردي مناخ الاستثمار في البلاد نتيجة الفساد والتعقيدات الإدارية، وعدم الاستقرار السياسي.

وعدم وضوح الرؤية بسبب عدم الاستقرار السياسي جعل كل الخطط تفشل، وفق أستاذ الاقتصاد في جامعة النيلين، مزمل الضي.

يشرح الأخير أن إهمال الموارد المحلية من ثروة حيوانية وزراعية ونفطية وعدم استقرار ضوابط توظيف الذهب من الأسباب التي دفعت الاقتصاد إلى الهاوية. ويضيف الضي أن البلاد تواجه أوضاعاً سيئة من كل النواحي إن كان اقتصادياً أو سياسياً.

ويضيف أن كل ذلك نتيجة للسياسات الأخيرة التي اتبعت ضمن سياسات الاصلاح عبر البنك الدولي والمنظمات الدولية، والتي قامت على تحرير السلع والخدمات من الوقود، الخبز، والكهرباء، من دون دراسة أثرها السلبي.

ويلفت إلى أن هذه السياسات أوصلت إلى ارتفاع معدل التضخم والذي نتج عن شح النقد الأجنبي، و وصعود أسعار السلع وكذا العملات الصعبة أمام الجنيه، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة.

ويتابع الضي أن البلاد دخلت في دوامة مغلقة، إذ إن المشكلات الاقتصادية تصعد بالأزمة الاجتماعية التي بدورها تخلق نوعاً من عدم الاستقرار الأمني ومن ثم السياسي ومن ثم الاقتصادي.

ويشير إلى أن التضخم لا يرتبط حصراً بالصعوبات النقدية والاقتصادية، وإنما أيضاً بجشع التجار وفهمهم الخاطئ لعملية التحرير الاقتصادي أو حرية السوق.

ويشرح أنه في ظل تمدد اقتصاد الظل، زادت قوة الوسطاء، حيث هنالك وسيط بين التاجر وصاحب المصنع وبين تاجر الجملة وتاجر التجزئة، وهذا الواقع يرفع الأسعار وينعكس سلباً على المواطن. هذه التشوهات الاقتصادية، وفق الضي أثرت بصورة مباشرة على ارتفاع نسبة التشرد وزيادة البطالة والفقر والهجرة إلى الخارج وتقلص دور الحكومة في ضبط الموارد، خاصة تحويلات المغتربين وانتشار الفساد المؤسسي وضمور دور المؤسسات العدلية والقانونية وانتشار الجريمة المنظمة في البلاد.

ويؤكد أن القلق يسيطر على الأسر السودانية إلى جانب التدهور الكبير الذي حدث في عدد من المؤسسات الصحية والتعليمية نتيجة للتشوهات التي حدثت في الاقتصاد. ويلفت إلى أن الحلول تكمن في سن قوانين رادعة يلتزم بها الجميع تعمل على ضبط الأسواق والإنتاج مع إعلاء مبدأ المحاسبة فوق الجميع.

أما الاقتصادي علي الشيخ، فيقول إن قضايا الاقتصاد وأزمات البلاد هي تداعيات للواقع السياسي خاصة عند الفشل في مخاطبة جوهر القضايا، إضافة إلى الابتعاد عن مقاصد الحفاظ على استراتيجية الأمن القومي.

ويشرح أن الاقتصاد من ركائز الدولة الأساسية، والسودان لا يعاني من أزمات عميقة، حيث تتوافر فيه كل الموارد والمصادر الكافية لتنميته، إلا أن المطلوب توظيف هذه الموارد لصالح النهوض الاقتصادي.

ويبدي الشيخ تشاؤمه من وجود السودان في منطقة تقاطع المصالح الدولية، موضحاً أن هنالك دولا تتحرك للعبث بإرادة وقرار ومصالح السودان وتسيطر على كل مفاصله. ويستغرب عدم وجود من يحث على الإنتاج بالرغم من توافر الموارد والطاقات، مبدياً أسفه بقوله إن "مواردنا تسرق وتباع في أسواق العالم بعلمنا ومن دون علمنا".

المساهمون