تفاوت خرافي بين الدخول في موسكو... العاصمة باتت مدينة للأثرياء

تفاوت خرافي بين الدخول في موسكو... العاصمة باتت مدينة للأثرياء

13 اغسطس 2021
مارّة في وسط موسكو حيث يوجد حي المال (Getty)
+ الخط -

على الرغم من ازدهارها الظاهري وبنيتها التحتية والاجتماعية المتطورة، إلا أن العاصمة موسكو تتصدر الكيانات الإدارية الروسية من حيث التفاوت في الأجور الذي يصل إلى نحو 18 ضعفاً بين الشريحتين العليا والدنيا من المواطنين، وفق ما أظهرته دراسة حديثة أجرتها شركة "فين إكسبرتيزا" للاستشارات المالية.

وأظهرت الدراسة التي تم تداول نتائجها في وقت سابق من أغسطس/آب الجاري، أن متوسط صافي الأجور (أي بعد خصم الضرائب) بالمنشآت المتوسطة والكبرى في موسكو بلغ نحو 98 ألف روبل (1300 دولار) شهرياً، لكن العاملين الـ10 في المائة الأقل أجراً يتقاضون نحو 20 ألف روبل (حوالي 270 دولاراً) فقط مقابل 357.5 ألف روبل (أكثر من 4800 دولار) للـ10 في المائة الأعلى أجراً.
ومن اللافت أن المدن الكبرى والمتطورة اقتصادياً جاءت في صدارة الأقاليم الروسية من جهة التفاوت في الأجور، إذ جاءت في المرتبة الثانية العاصمة الشمالية سانت بطرسبورغ وتليها مقاطعة موسكو (كيان إداري مستقل يضم ضواحي العاصمة) ومقاطعة تيومين المنتجة للنفط جنوب غربي سيبيريا.
وفي هذا الإطار، يعتبر كبير الباحثين في معهد علم الاجتماع التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أندريه أندرييف، هذا الوضع طبيعياً نظراً لاحتضان موسكو لأكبر عدد من الأثرياء ورجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين الأعلى أجراً.

موسكو في المرتبة الثالثة عالمياً بعد نيويورك وهونغ كونغ من حيث عدد المليارديرات بواقع 71 مليارديراً، متفوقة على بكين ولندن وشنغهاي وغيرها من المدن الغربية والآسيوية

ويقول أندرييف في حديث لـ"العربي الجديد": "ليس هناك أي تناقض في نتائج الدراسة، إذ إن المليارديرات وكبار مديري الشركات يتركزون في موسكو ولا يعيشون في المدن الصغيرة، كما يعيش هنا كذلك كبار رجال الأعمال والمسؤولون الحكوميون الأعلى أجرا".

وحول تأثير تركز الأموال بهذه الصورة في موسكو على أوضاع المواطنين العاديين، يضيف أندرييف: "حتى أجور العاملين العاديين هنا أعلى مقارنة بالوظائف المماثلة في الأقاليم، ولذلك حتى الخبراء المتخصصون من الشريحة المتوسطة يتركزون هنا، حيث إن أرباح الشركات في موسكو أعلى من المدن الأخرى، في الوقت الذي لا تختلف فيه أسعار المواد الغذائية وغيرها من السلع الأساسية في موسكو كثيراً عنها في المدن الأخرى، وتكمن المشكلة الرئيسية لسكان العاصمة في غلاء أسعار العقارات، فيتغلبون عليها إما عن طريق استئجار السكن أو الحصول على قروض الرهن العقاري".

المليارديرات وكبار مديري الشركات يتركزون في موسكو ولا يعيشون في المدن الصغيرة، كما يعيش هنا كذلك كبار رجال الأعمال والمسؤولون الحكوميون الأعلى أجرا

وبحسب أرقام مركز "مؤشرات سوق العقارات" للتحليل، فإن متوسط سعر المتر المربع في موسكو يبلغ أكثر من 3100 دولار، بينما يبلغ متوسط سعر المتر على مستوى عموم روسيا نحو 600 دولار فقط بفارق يزيد عن خمسة أضعاف، في مؤشر لفجوة هائلة في القوة الشرائية بين سكان العاصمة والأقاليم الأخرى، مما يتيح لها دفع أجور أكبر للموظفين".

ولما كانت العاصمة الروسية التي يبلغ عدد سكانها نحو 12.6 مليون نسمة، تزخر بالفنادق الفاخرة ومتاجر العلامات التجارية العالمية وسط انتشار لأغلى موديلات السيارات في شوارعها، أنتج هذا الوضع اعتقاداً لدى الروس بأن موسكو هي "دولة داخل دولة" لا تمتّ إلى الواقع الروسي بصلة.

إلا أن أندرييف يقلل من أهمية هذه الصورة النمطية، قائلاً: "هذه المقولة مثيرة للجدل، ويمكن تطبيقها على أي مدينة كبرى، والقول إن "نيويورك ليست الولايات المتحدة"، كما أن باريس تميزت دوماً عن غيرها من المدن الفرنسية".

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

ويضيف قائلا: "ونظراً لاقتصادها الضخم، فإن الوضع المتميز للعاصمة الروسية لا يمنعها من أن تكون كياناً إدارياً مانحاً من جهة مساهمتها في الميزانية الفدرالية الروسية بعوائد الضرائب".

وتشير الأرقام الرسمية الروسية إلى بلوغ صافي مساهمة موسكو في الميزانية الفدرالية نحو 1.5 تريليون روبل (أكثر من 20 مليار دولار) سنوياً، لتأتي بذلك بين الأقاليم الثلاثة الأولى على قائمة الكيانات الإدارية المانحة إلى جانب الدائرتين ذاتيتي الحكم "خانتي-مانسي" و"يامالو-نينيتس" المنتجتين للنفط.

وبدوره، اعتبر نائب عميد كلية العلاقات الدولية والبحوث السياسية بالأكاديمية الروسية للاقتصاد الوطني والخدمة العامة، إيليا ماتفييف، هو الآخر، أن تفاوت الأجور في المدن الكبرى مثل موسكو وسانت بطرسبورغ أمر طبيعي، كونهما تحتضنان أكبر عدد من الوظائف ذات الأجور المرتفعة بسوق العمل في القطاعات مثل تكنولوجيا المعلومات والقطاع المالي.

العاصمة الروسية البالغ عدد سكانها نحو 12.6 مليون نسمة، تزخر بالفنادق الفاخرة ومتاجر العلامات التجارية العالمية وسط انتشار لأغلى موديلات السيارات في شوارعها

وقال ماتفييف الذي يتخصص في بحوث التفاوت الاقتصادي، في حوار مع صحيفة "نيوز.رو" الإلكترونية الروسية: "تتناسب مستويات الدخل في كل من سانت بطرسبورغ وموسكو مع نماذج المدن العالمية التي تضم سوق عمل استثنائياً، أي يضم أقلية من أصحاب الأجور المرتفعة، وأغلبية من أصحاب الأجور المنخفضة في قطاع الخدمات. وكان الاقتصاد الصناعي ذا درجة أكبر من المساواة، حيث كانت أجور الجميع قريبة من بعضها".

ويضيف قائلا: "وتظهر الدراسة أنه كلما ازداد الناتج المحلي الإجمالي، تزايد تفاوت الدخل في الإقليم أيضاً".

وحذر نائب عميد كلية العلاقات الدولية والبحوث السياسية من تأثير هذا التفاوت بشكل سلبي على الوضع الاجتماعي في موسكو، مضيفاً: "صفة المدينة ما بعد الصناعية في حد ذاتها لا تعفينا من التوتر الاجتماعي بين من يتقاضون أجوراً مرتفعة مع أصحاب الأجور المنخفضة؛ إذ إن هناك أقلية من أصحاب الثروات الفائقة الذين يحصلون على عوائد عن رؤوس أموالهم ويحققون أرباحا فلكية في موسكو التي تعد إحدى المدن الرائدة من حيث عدد المليارديرات".
وأضاف: "يشعر الناس بأنهم يعيشون في مدينة للأثرياء، ولكنهم لن يصبحوا مثل هؤلاء الأثرياء".

وتأتي موسكو في المرتبة الثالثة عالمياً بعد نيويورك وهونغ كونغ من حيث عدد المليارديرات بواقع 71 مليارديراً، متفوقة على بكين ولندن وشنغهاي وغيرها من المدن الغربية والآسيوية الكبرى.

المساهمون