بكين أمام خيارات محدودة لدعم اليوان وسط هشاشة الاقتصاد

بكين أمام خيارات محدودة لدعم اليوان وسط هشاشة الاقتصاد

04 أكتوبر 2022
ارتفاع الدولار وثلاثة أزمات تضرب سعر صرف العملة الصينية (getty)
+ الخط -

تواجه الحكومة الصينية خيارات صعبة خلال العام الجاري، بين خيار دعم النمو الاقتصادي بخفض الفائدة ومساعدة القوة الشرائية المحلية لدعم القطاع العقاري، أو رفع الفائدة لدعم سعر صرف العملة المحلية "اليوان" الذي يواصل التراجع مقابل الدولار.

ورغم أن الصين استفادت تجارياً من الغزو الروسي لأوكرانيا وما تلاه من عقوبات اقتصادية ومالية غربية على موسكو، عبر حصول شركاتها على حسومات سعرية كبيرة في الطاقة وأسعار بعض المعادن الاستراتيجية مقارنة بالدول الأخرى التي اكتوت بنيران غلاء أسعار الطاقة والغذاء، لكن يبدو أن ذلك لم يكن كافياً لتعويض خسائر الاقتصاد من الأزمات التي ضربته خلال العام الجاري، وتراوحت بين تفجّر جائحة كورونا والكوارث الطبيعية من الفيضانات وأزمة قطاع العقارات وهزات أسواق المال. ويرى البنك الدولي أن هذه العوامل ساهمت في تراجع النمو الاقتصادي الصيني بنسبة كبيرة لأول مرة.
ويقدّر البنك الدولي، في تقريره الأخير، أن يتراجع معدل النمو في الصين إلى 2.8% في 2022 من توقعاته السابقة التي وضعت له 5.0%. وحسب بيانات "وول ستريت جورنال"، تراجع سعر اليوان مقابل الدولار بنسبة 11% حتى نهاية الأسبوع الماضي إلى 7.2 يوان.
وهذا السعر هو أدنى مستوى سعر لليوان أمام الدولار منذ يوليو 2020، حينما سمح بنك الشعب الصيني لليوان بالتبادل الحر خارج الصين، فيما يُعرف بـ"أوفشور يوان"، وهو اليوان الذي تتم المتاجرة فيه في مراكز مال عالمية، من بينها هونغ كونغ وسنغافورة.
ويتوقع مصرف غولدمان ساكس الأميركي أن يواصل اليوان ضعفه الحالي على المدى القصير بسبب قوة الدولار. في حين يرى مصرف "يو بي أس" في تحليل، أن استمرار تراجع اليوان سيتواصل بسبب السياسة النقدية الصينية التي تخفض سعر الفائدة، في وقت يرفع فيه بنك الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" الفائدة على الدولار لمكافحة التضخم المرتفع.
ورغم أن اليوان يتأثر حالياً بقوة الدولار الذي يواصل الارتفاع مقابل جميع العملات العالمية، حيث ارتفع الدولار بنسبة 20% مقابل عملة كوريا الجنوبية و26% مقابل الين و15% مقابل اليورو، وأدى إلى انهيار سعر صرف الجنيه الإسترليني في بداية الأسبوع الماضي، إلا أن ضعف اليوان لا يعود فقط إلى قوة الدولار، وإنما إلى عوامل أخرى يلخصها خبراء في ثلاثة عوامل هي: ضعف النمو الاقتصادي في الصين خلال العام الجاري، وأزمة السيولة لدى شركات التطوير العقاري وعدم قدرتها على خدمة ديونها للبنوك الصينية التي أقرضتها بشراهة خلال العقد الماضي. ويُعد قطاع العقارات من القطاعات الرئيسية في مكونات الناتج المحلي الصيني، تقدّر نسبته بنحو 33% من حجم الاقتصاد الصيني المقدر بنحو 17.5 تريليون دولار.

أما ثالث العوامل فيرتبط بتداعيات سياسة الحكومة لمكافحة جائحة كورونا، التي أدت إلى عرقلة النشاط الصناعي وضربت الثقة لدى المستهلك، وبالتالي تراجعت القوة الشرائية المحلية في الصين وتراجعت الصادرات. وهذه العوامل الثلاثة ضربت القواعد الرئيسية التي تقوم على أساسها قوة العملة الصينية.
في هذا الصدد، يرى مركز "يورو آسيا"، أن قوة اليوان الصيني تعتمد على أربعة عوامل رئيسية هي: الطلب على التسويات التجارية قصيرة الأجل باليوان، وارتفاع شراء الأصول المقومة باليوان من قبل المستثمرين الأجانب، ونمو الصادرات الصينية للأسواق العالمية، وارتفاع حجم الاحتياط الأجنبي لدى بنك الشعب الصيني. وكانت بكين تعول على هذه العوامل في تعزيز سعر صرف اليوان وتحويله إلى عملة عالمية منافسة للدولار في احتياطات النقد الأجنبي بالبنوك المركزية العالمية.
وبدلاً من رفع الفائدة لدعم اليوان مثلما فعلت البنوك المركزية الأخرى، وفي مقدمتها الفيدرالي الأميركي، اختارت الحكومة الصينية دعم الاقتصاد والقطاع العقاري عبر خفض معدل الفائدة. وخفض بنك الشعب الصيني الفائدة بنسبة 10 نقاط أساس، في منتصف سبتمبر الماضي من 2.25 إلى 2.15%. وهو ما أدى إلى مزيد من الانخفاض في سعر صرف اليوان، وبالتالي ستضطر الحكومة الصينية إلى دعم سعر صرف اليوان إذا تواصل الضعف خلال العام المقبل.
ووفق محللين، فإن هناك خيارات متاحة أمام الحكومة الصينية لدعم سعر صرف اليوان مقابل الدولار، وتتراوح هذه الخيارات بين استخدام الاحتياط النقدي الأجنبي الضخم للتدخل في سوق الصرف لدعم العملة مثلما فعلت البنوك المركزية الأخرى. ولدى بنك الشعب الصيني احتياطات تقدر بنحو 3 تريليونات دولار. وتراجعت هذه الاحتياطات بنحو 200 مليار دولار منذ بداية العام الجاري. ولكن خبراء يرون أن خسارة 200 مليار دولار من الاحتياطات لا تعود إلى تدخل بنك الشعب الصيني في السوق، وإنما تعود إلى تراجع قيمة العملات الأجنبية المكونة للاحتياط الأجنبي ببنك الشعب الصيني. أما الخيار الثاني فهو فرض قيود على حركة النقد الأجنبي أو إجبار المصدّرين على تحويل قيمة صادراتهم إلى اليوان، وبالتالي زيادة الطلب عليه في سوق الصرف.

على صعيد تداعيات تراجع سعر صرف اليوان، ستكون نعمة للشركات التي تعتمد في دخلها على التصدير، والتي من شأنها أن تحقق مكاسب من خلال شحن المزيد من المنتجات النهائية، في حين أن المستوردين سيواجهون ارتفاعاً في تكاليف المواد الخام. ولكن هناك مخاوف أن يقود الضعف الاقتصادي بالصين إلى تراجع الطلب العالمي على النفط، لأن الصين من كبار المستوردين والمستهلكين للخامات النفطية.
وكان بنك الشعب الصيني قد حذر، الأسبوع الماضي، في بيان على موقعه عبر الإنترنت، من المراهنة على صعود أو تراجع اليوان، وذلك بعدما تراجع اليوان يوم الأربعاء مقابل الدولار إلى أدنى مستوياته منذ عام 2008، مع ارتفاع العملة الأميركية بالتزامن مع رفع الفائدة.
وحسبما نقلت "سي إن بي سي"، قال ماجي وي، المحلل لدى "جولدمان ساكس"، إن بيان البنك المركزي هو توجيه شفهي ضد الانخفاض السريع الأخير في قيمة العملة.