انقلاب العملة السورية: تسويق الأسد عبر تحسين الليرة

انقلاب العملة السورية: تسويق الأسد عبر تحسين الليرة

23 ابريل 2021
تحسن الليرة تزامن مع ترشح بشار الأسد للانتخابات الرئاسية (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

يستمر سعر صرف الليرة السورية بالتحسن أمام العملات الرئيسية، بعد الإجراءات الحكومية والتشديد الأمني وعزل حاكم مصرف سورية المركزي حازم قرفول، ليصل سعر الدولار إلى ما دون 3000 ليرة، من نحو 5000 ليرة، في 17 من مارس/ آذار الماضي.
وحسب مراقبين، فإن أسباباً عديدة وراء الانقلاب المفاجئ في سعر الليرة بالسوق السوداء، أبرزها التدخل السياسي المباشر من أجل كبح الدولار، ومحاولة النظام تحقيق إنجاز يسبق الانتخابات الرئاسية التي ترشح لها بشار الأسد، بالإضافة إلى قرارات المصرف المركزي الأخيرة وتشديد الحملات الأمنية. 

ويأتي التحسن الهش وسط توقعات بمواصلة تحسن العملة المحلية، حسب مصادر في دمشق قالت لـ"العربي الجديد"، إن سعر الدولار بالسوق السوداء مرشح للهبوط إلى مستوى السعر الرسمي الذي رفعه المصرف المركزي في 15 إبريل/نيسان الجاري، من 1256 ليرة إلى 2512 ليرة، كما ضاعف سعر الحوالات الخارجية لتبلغ 2500 ليرة للدولار.

أسباب سياسية واقتصادية

جاء رفع سعر الدولار الرسمي والحوالات الخارجية، بعد يوم من إعفاء حاكم مصرف سورية المركزي السابق، حازم قرفول، في 13 إبريل/ نيسان الجاري، وأعقبه قرار، منذ يومين، بتعيين النائب الثاني بالمصرف المركزي، محمد عصام هزيمة، حاكماً للمصرف.

وسبق للمركزي السوري أن ضاعف، عبر مراحل متلاحقة، أسعار صرف بدلات الخدمة العسكرية وحوالات المنظمات الدولة، بالإضافة إلى سعر تصريف الـ 100 دولار للوافدين على الحدود السورية، بينما كان يثبت سعر الصرف الرسمي عند مستوى 1250 ليرة للدولار الواحد، إلى أن فاجأ المراقبين برفع السعر الرسمي بنسبة 100% دفعة واحدة.

وفي إطار التحسن الكبير والمفاجئ لليرة دون وجود أسباب حقيقية تتمثل في زيادة الإنتاج أو احتياطي المصرف المركزي ومصادر النقد الأجنبي، يرى الأكاديمي والمختص بالنقد، مسلم طالاس، أنه اقتصادياً "يصعب شرح أو تفسير هذا التحسن الكبير بسعر الليرة، لأن الارتفاع لم يقابل بتحسن اقتصادي عام، أو بسبب إجراءات لخلق طلب إضافي على الليرة، أو عمليات تحفيز على ضخ دولار بالسوق الداخلية، كما أن ارتفاع سعر صرف الليرة لم يقابله تخفيض بأسعار السلع، وخاصة المستوردة، كما لم تتراجع مؤشرات أخرى، كسعر الذهب مثلاً، بالنسبة التي تحسنت بها الليرة".

ويضيف طالاس لـ"العربي الجديد": الأرجح أن التحسن في سعر الليرة جاء بفعل سياسي، داخلي وخارجي، بعد تشديد الحلول القمعية بالداخل. وتابع: "طبعاً لا يمكننا التنكر لدور القرارات، وأهمها رفع سعر الدولار الرسمي ودولار الحوالات، ولكنها لا تأتي بكل هذه المفاعيل".

ويختم النقدي طالاس أنه على الأرجح، ثمة دوافع وقرارات سياسية، داخلية وخارجية، لوضع الاقتصاد بخدمة السياسة، بمعنى تقديم انتصارات وإنجازات للشعب، بهدف تسويق بشار الأسد المقبل على انتخابات رئاسية.

تحسّن متسارع

كانت العملة السورية التي تحسنت بنحو 40% خلال شهر، قد تهاوت من 900 ليرة مقابل الدولار مطلع عام 2020 إلى 2800 ليرة آخر يوم بالعام الماضي، ثم واصلت التدهور لتقترب من 5000 ليرة الشهر الماضي، قبل أن تتحسن خلال الفترة الأخيرة.

ومن جانبه، يعتبر الاقتصادي السوري، نوار طالب، أن تحسن سعر صرف الليرة "المتسارع" لا ينطلق من قوة الاقتصاد، سواء زيادة الإنتاج والتصدير والسياحة، ولا بسبب طمأنة سياسية، فالأمران لم يحصلا، ما يعني أن هذا التعافي ناتج عن ضخ كتل دولارية كبيرة بالسوق السورية، وازنت بين العرض والطلب، مترافقاً مع "خطوة صحيحة" قام بها المصرف المركزي، وهي رفع سعر صرف الدولار الرسمي ودولار الحوالات، إلى ما يقارب سعر السوق السوداء.

ويضيف طالب لـ"العربي الجديد" أن للحوالات التي تدفقت مع بداية شهر رمضان، من أبناء وذوي السوريين من الخارج، كان لها الدور الأهم، مقدراً حجم التحويل اليومي بنحو 7 ملايين دولار حيث كان قبل رمضان ووفق دراسات متطابقة نحو 5 ملايين دولار، مشيراً إلى دور الحملات الأمنية في كبح سعر العملة الأميركية.

حملات أمنية وتدخل خارجي

وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، قد أصدر، مرسومًا يقضي بتجريم التداول بغير الليرة السورية، وفرض غرامات وعقوبات على المخالفين، وصلت إلى الأشغال الشاقة لسبع سنوات.

ورصدت وسائل إعلامية سورية، حالات ملاحقة ودهم المنازل والمحال وشركات الصرافة، وسجن عدد من رجال الأعمال والأفراد بتهمة التعامل بعملات أجنبية، فضلاً عن إغلاق عديد من شركات ومكاتب الصيرفة، بمدينتي حلب ودمشق.

يقول الباحث السوري يحيى السيد عمر، لـ"العربي الجديد" شهدت الليرة السورية تحسناً كبيراً بعد تدهور سريع، ما يعني بأن "تغيراً طارئاً" قد حدث.

ووفق تحليل عمر: "ربما لعزل حاكم مصرف سورية المركزي وما قيل عن تدخل مباشر من الإدارة الجديدة، دور، ولكن "يبقى محدوداً" بواقع تبديد الاحتياطي النقدي الأجنبي البالغ 18 مليار دولار عام 2011، كما أن التحسن بدأ قبل تغيير الحاكم، فضلاً عن أن التحكم في سعر صرف الليرة يتم بقرارات سياسية معظمها من خارج سورية، لأن انهيار العملة وبالتالي النظام، قرار مؤجل دولياً".

ويرجح عمر أن تحسن سعر صرف الليرة، جاء جراء عوامل عدة متضافرة ومتزامنة، ومنها زيادة عرض الدولار في السوق السورية، عبر روسيا وبعض دول الخليج بطلب من موسكو. 

ويضيف: لدينا معلومات أن روسيا قدمت للنظام دعماً مباشراً بنحو 500 مليون دولار مؤخراً، كما نجحت روسيا في إقناع بعض دول الخليج بالإفراج عن مليار دولار من أموال الدولة السورية المجمدة في المصارف الخليجية منذ عام 2011". ويتوقع الباحث الاقتصادي أن تستمر الليرة السورية بالتحسن "ولكن ليس بشكل كبير".