المغرب: غضب الشارع من الغلاء يستنفر الحكومة

المغرب: غضب الشارع من الغلاء يستنفر الحكومة

02 مارس 2023
احتجاج معيشي سابق في المغرب (فرانس برس)
+ الخط -

يشهد المغرب منذ شهور قفزات في أسعار السلع الأساسية، وموجة غلاء غير مسبوقة تجتاح الأسواق منذ حوالي العام، وهو ما دعا آلاف المواطنين إلى الخروج للشارع في احتجاجات شهدتها العديد من كبرى المدن والبلدات.

لكن، وبحسب تجار، هدأت وتيرة ارتفاع أسعار الخضر واللحوم نسبياً داخل الأسواق المغربية في الأيام الأخيرة، بعد تدابير اتخذتها السلطات العمومية لتعظيم العرض وتشديد المراقبة في السوق والتلويح بتعقب المضاربين، وذلك في سياق شكوى الأسر من زيادات غير مسبوقة طاولت السلع الأساسية.
ووفق مستهلكين، فقد امتدت الارتفاعات في الفترة الأخيرة إلى أسعار اللحوم الحمراء والدجاج والبيض والخضر، خاصة الطماطم والبصل، حيث اعتبرت غير مسبوقة، علما أن المغرب اعتاد على توفير حاجياته من هذه السلع عبر الإنتاج المحلي. ودفعت الزيادات مئات المواطنين إلى الخروج في تظاهرات داخل العديد من المدن المغربية احتجاجا على غلاء الأسعار الجامح.

تلك السلع الغذائية ينتظر أن يرتفع الطلب عليها كثيرا في شهر رمضان الذي بات قريباً، ما دفع السلطات في الأعوام الأخيرة إلى تعبئة الأجهزة الرقابية وتعبئة المنتجين بهدف تأمين عرض كاف منها.
وتظل أسعار الخضر مرتفعة رغم انخفاضها في الأيام الأخيرة، حيث يصل سعر البصل في سوق التجزئة بسوس ماسة التي تعتبر أهم منطقة للإنتاج الخضر والفواكه بالمغرب إلى دولار للكيلوغرام الواحد والطماطم 80 سنتا والبطاطس 80 سنتا.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وشهدت أسعار اللحوم الحمراء انخفاضا طفيفا في الفترة الأخيرة كي تستقر في المتوسط بسوق التجزئة في حدود 8.5 دولارات، غير أنها تبقى مرتفعة في انتظار زيادة العرض في الفترة المقبلة.
وساهمت برودة الطقس في الفترة الأخيرة في التأثير على إنتاج بعض الخضر، حيث يضاف ذلك إلى الجفاف الذي شهدته المملكة، ما أفضى إلى ارتفاع الأسعار في سياق متسم بزيادات شهدتها كلفة الإنتاج بسبب المدخلات والوقود.
وتأثر العرض من لحوم الأغنام والأبقار في الأشهر الأخيرة بالجفاف وارتفاع أسعار الأعلاف، ما دفع العديد من المربين إلى التخلي عن مواشيهم، وهو ما تسبب في ارتفاع الأسعار في سوق التجزئة.

حملات مراقبة
لم تكف السلطات العمومية المغربية في الفترة الأخيرة عن شن حملات مراقبة في الأسواق لضبط الأسعار التي ارتفعت قبل مويم الصيام.
وأكدت اللجنة الوزارية المشتركة تسجيل انخفاضات في أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء وبعض الخضر التي يرتفع الطلب عليها في رمضان.
وعزت ذلك إلى تشديد الرقابة على سلاسل الإنتاج والتسويق ومسالك التوزيع، حيث تشدد على اتخاذ تدابير لضمان التموين الكافي للأسواق والحد من ارتفاع الأسعار والتصدي للمضاربة والاحتكار والادخار السري.
ويشير رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك بوعزة الخراطي إلى أن فروع الجامعة في العديد من الأقاليم تسجل تراجع أسعار بعض الخضر في الأسواق مقارنة بما كانت عليه قبل أيام.
هذا ما يؤكده أيضاً رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات حماية المستهلك مديح وديع، الذي يسجل حدوث انفراجة في أسعار الخضر، خاصة الطماطم، بعد حملة المراقبة التي بادرت إليها السلطات الرقابية في الأقاليم.

احتجاجات الشارع
تركز هيئات المراقبة على أسواق السلع الغذائية واللحوم في الفترة الحالية، علما أن التضخم قفز إلى 8.9 في المائة في الشهر الأول من العام الجاري، مدفوعا بارتفاع أسعار السلع الغذائية بنسبة 16.3 في المائة.
وأفضى ارتفاع الأسعار في الفترة الأخيرة إلى تعبير العديد من الأسر عن ضيقها بتضرر قدرتها الشرائية، حيث تجلى ذلك عبر وسائط التواصل الاجتماعي.
وامتد الاحتجاج إلى الشارع بعد دعوة من الجبهة الاجتماعية، التي جعلت من التنديد بارتفاع الأسعار أول شعار لها، حيث شهدت عدة مدن وقفات احتجاجية.

ولم تغب الوضعية الحالية عن خبراء البنك الدولي، الذين لاحظوا أن معدل التضخم السنوي كان أعلى بنسبة الثلث تقريبا بالنسبة لأفقر 10 في المائة من السكان، بالمقارنة مع أغنى 10 في المائة من السكان، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى آثار زيادة أسعار الغذاء التي تستحوذ على نسبة أعلى من إنفاق الأسر الأكثر فقرا في المغرب.
وأوصى البنك في تقريره الصادر قبل أيام باتخاذ "خطوات أو إجراءات لمعالجة الاختناقات في أسواق المواد الغذائية، حيث يوجد تباين كبير بين أسعار السلع الزراعية في المزارع وعند تجار التجزئة، ولا يوجد مبرر لهذا التباين حتى مع اعتبارات القيمة المضافة لسلسلة الإمداد".

المضاربون والوسطاء
أنحت الحكومة التي أقرت بوجود اختلالات في مسالك التسويق باللائمة في ارتفاع أسعار الخضر خلال الفترة الأخيرة على الوسطاء والمضاربين، الذين لوحت بملاحقتهم لوضع حد لممارساتهم الاحتيالية.
ويؤكد وزير الزراعة محمد الصديقي أن المضاربين يساهمون في رفع أسعار الخضر في السوق بنسبة 35 في المائة، مؤكدا على وجود اختلالات في السوق، متعهدا بمعالجتها.
وقال رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك: لا يعقل أن تتضاعف أسعار بعض الخضر بين أسواق الجملة وأسواق التجزئة، مشددا على دور الوسطاء الذين يتدخلون من أجل تعظيم أرباحهم على حساب الأسر.
ويذهب إلى أنه يفترض في السلطات المختصة العمل على تخليص السوق من الوسطاء الذين يجنون أرباحا كبيرة على حساب المنتجين والمستهلكين دون أن يكونوا مساهمين في المجهود الجبائي للدولة أو يوفون بالتحملات الاجتماعية.

أنحت الحكومة التي أقرت بوجود اختلالات في مسالك التسويق، باللائمة في ارتفاع أسعار الخضر خلال الفترة الأخيرة على الوسطاء والمضاربين


وتؤكد جمعيات حماية المستهلك على ضرورة الاحتكام بين الموردين والمستهلكين لقانون حرية الأسعار والمنافسة بالنسبة للكثير من السلع، ويفترض بالسلطات العمومية حماية المستهلك من الاتفاقات والمضاربة التي قد يعمد إليها الوسطاء.

ضبط التصدير والاستيراد
الوضعية الحالية المتسمة بتعبير الأسر عن ضيقها من ارتفاع الأسعار، دفعت بالسلطات العمومية إلى اتخاذ قرارات ترمي إلى حمل المنتجين على تقليص تصدير بعض الخضر واللجوء إلى الترخيص باستيراد الأبقار والأغنام بهدف توفير اللحوم.
وارتأت الحكومة تعليق استيفاء الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة بهدف استيراد الأغنام والأبقار، حيث تستهدف توفير 200 ألف بقرة، من بينها 40 ألفا قبل رمضان بهدف خفض الأسعار.
وقررت السلطات العمومية تقليص تصدير الطماطم والبطاطس والبصل في الفترة المقبلة، خاصة إلى بعض البلدان الأفريقية والأوروبية بهدف توفير عرض كاف محلياً وخفض الأسعار.
ويؤكد نائب رئيس الجمعية المغربية لمهنيي اللحوم الحمراء في المغرب عبد العالي رامو أن أسعار اللحوم الحمراء شهدت بعض الانخفاض في الفترة الأخيرة.
غير أنه يرجح أن يكون مرد ذلك الانخفاض تراجع الطلب على تلك السلعة في سياق هبوط القدرة الشرائية للأسر، مؤكدا أنه يتم انتظار التأثير الذي سيتركه استيراد الأبقار والأغنام على الأسعار في الفترة المقبلة.

المساهمون