الغاز الجزائري... ورقة ضغط غير مستغلّة

الغاز الجزائري... ورقة ضغط غير مستغلّة

24 يونيو 2022
خطوط تصدير الغاز الجزائري إلى إيطاليا عبر تونس (Getty)
+ الخط -

منذ الغزو الروسي لأوكرانيا يوم 24 فبراير/ شباط الماضي، ازداد توهُّج الغاز الجزائري في ظلّ البحث عن البدائل الكفيلة بسدّ النقص الحادّ في إمدادات الغاز الطبيعي في حال قطعها من جانب روسيا، لكن الجزائر لم تصل بعد إلى الاستخدام الأمثل لهذه الثروة الطبيعية كورقة ضغط في مفاوضاتها مع الدول الأوروبية، والولايات المتحدة، وحتى مع روسيا لانتزاع أكبر قدر ممكن من المكاسب والتنازلات السياسية والاقتصادية لصالحها.

تتسابق إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية على الاستحواذ على نسبة معتبرة من الغاز الجزائري من جهة، وتسعى موسكو إلى إخراج الجزائر من منطقة الحياد ودفعها أكثر نحو موقف الانحياز الواضح والعلني للجانب الروسي في الحرب الدائرة الآن من جهة أخرى، بينما تقف الجزائر في حيرة من أمرها، لا هي قادرة على المخاطرة بتحالفها التقليدي مع روسيا لا سيَّما في ظلّ العزلة التي تعيشها منذ فترة، ولا هي قادرة على التراجع عن تعهُّداتها السابقة بضخّ المزيد من الغاز إلى الدول الأوروبية نظراً لحاجتها الماسّة إلى عائدات إضافية، وكذا النأي بنفسها عن الدخول في خصام مع الدول الغربية التي لا تصفح.

وفقاً لتقرير المفوضية الأوروبية الصادر في 20 إبريل/ نيسان 2022 تحت عنوان "في بؤرة الاهتمام: تقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على الوقود الأحفوري المستورد" لبّت الجزائر حوالي 12.6 بالمائة من احتياجات الغاز الأوروبية في الأشهر الأولى من عام 2022، وتعتبر ثالث أكبر مورد للغاز الطبيعي لأوروبا منذ سنوات عديدة، إذ تستورد إسبانيا ما بين 8.5 إلى 10 مليارات متر مكعّب من الغاز الجزائري عبر الأنبوب البحري الذي يمرّ من مدينة بني صاف الجزائرية إلى ألميريا الإسبانية، كما تستورد إيطاليا 21 مليار متر مكعّب من الغاز الجزائري، أي حوالي 28 بالمائة من إجمالي استهلاكها من الغاز الطبيعي، وهي نسبة تكاد تكون متقاربة مع حجم الإمدادات الروسية لها والبالغة 29 مليار متر مكعّب.

في المقابل، تعتبر الجزائر حليفاً عسكرياً وشريكاً تجارياً لروسيا، وسبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن مسح ديوناً سيادية للجزائر بقيمة 4.7 مليارات دولار بموجب اتفاق الشراكة الاستراتيجية المُوقَّع عام 2001، وأبرمت الجزائر مقابل ذلك صفقة جديدة لشراء أسلحة وطائرات حربية روسية بقيمة 3.5 مليارات دولار.

وبحسب قاعدة بيانات نقل الأسلحة التابعة لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام The SIPRI Arms Transfers Database، اشترت الجزائر 73 بالمائة من أسلحتها من موسكو عام 2020، حيث تعتبر روسيا الملاذ الأوّل للجزائر عندما يتعلَّق الأمر بالأسلحة والمعدّات العسكرية.

كما اعتبرت الجزائر الشريك التجاري الخامس عشر لروسيا بصادراتها التي بلغت 6.683 مليارات دولار، بينما استوردت من روسيا ما قيمته 12.13 مليار دولار في عام 2020 بحسب إحصاءات وجهة التجارة لصندوق النقد الدولي (DOTS)، وهكذا استفادت روسيا من ميزان تجاري إيجابي معها يقارب الـ 6 مليارات دولار والذي بدوره جعل الجزائر أوّل وجهة تصدير أفريقية لروسيا.

بالإضافة إلى كلّ ما سبق، تواجه الجزائر مشاكل أمنية على حدودها مع دول الجوار مثل نزاع الصحراء الغربية، والصراع الليبي، والتدخُّل الفرنسي في مالي وخطر التوغُّلات الإرهابية، وبالتالي فهي تحتاج إلى دعم مستدام من القوى الغربية وروسيا، كما أنّها بحاجة ماسّة، وبشكل أكبر من أي وقت مضى، إلى مساعدة تلك الدول في مجالات التصنيع والتدريب ونقل التكنولوجيا، وها هي الحرب الروسية الأوكرانية تمنحها فرصة غير مسبوقة لتقدير القيمة الحقيقية لثروة الغاز التي تمتلكها واستخدامها على نحو فعّال بما يعود بالنفع عليها وعلى شعبها، وجدير بالذكر أنّ اليقظة والحذر مطلوبان في هذه المرحلة بالذات لإسقاط رهانات الدول الغربية التي ترغب دوماً في انتزاع سلسلة لا متناهية من التنازلات.

ينبغي على الجزائر أن تستغلّ هذه الفرصة السانحة أبعد استغلال لإقناع الدول المتعطِّشة لغازها ووقودها الأزرق بضخّ استثمارات ضخمة في بنيتها التحتية المهترئة، وتقديم الدعم اللازم بغرض صيانتها، وتوسيع طاقتها الإنتاجية، وتكثيف عمليات الاستكشاف والتطوير من أجل الوفاء بالتزامات التصدير المستقبلية، ومواكبة تنامي الاستهلاك المحلي من الغاز الطبيعي الذي ارتفع بنحو 10 بالمائة خلال الفترة الممتدة من 2013 إلى 2018، والذي من المُتوقَّع أن ينمو بنسبة 50 بالمائة إضافية بحلول عام 2028 بحسب "أوكسفورد إينرجي" (Oxford Energy).

لم تحرز الجزائر أيّ تقدُّم في تلبية بعض الاحتياجات المحلية باستخدام الطاقة المتجدِّدة من أجل إتاحة المزيد من الغاز للتصدير، ولم تستثمر بشكل كافٍ في مشاريع الطاقة البديلة، ولا تزال معتمدة بشكل تامّ على قطاع النفط والغاز الذي لا يزال بدوره مُربحاً إلى حدٍّ يصعب فيه على الصناعات الأخرى الدخول في المنافسة، وللدول الأوروبية الكثير لتقدِّمه للجزائر في مجال الطاقات المتجدِّدة.

هذا عدا قضايا الفساد المرتبطة بصفقات أبرمتها شركة النفط الجزائرية "سوناطراك"، حيث ينبغي على الحكومة أن تضرب بيدٍ من حديد كل رؤوس الفساد، التي أينعت وحان قطافها، إذا أرادت أن تؤتي الاستثمارات المستقبلية في قطاع النفط والغاز ثمارها، فقد أعلن المدير التنفيذي لشركة "سوناطراك" توفيق حكار عن برنامج استثماري طموح بقيمة 40 مليار دولار لاستكشاف وإنتاج وتكرير النفط والتنقيب عن الغاز واستخراجه خلال السنوات الخمس المقبلة.

خلاصة القول، إذا لم تجد الجزائر ما تكسبه من أزمة الغاز في أوروبا سيكون هناك الكثير ممّا يمكن أن تخسره بعد تضييع الفرصة النادرة التي أتيحت لها في ظلّ إرهاصات المشهد العالمي الجديد، وربّما لن تجد البلاد مثل هذه الفرصة السانحة لجذب المزيد من الاستثمارات والمهارات الأوروبية لقطاع الغاز، خاصة أنّ الدول الأوروبية ترغب في استيراد كميات أكبر من الغاز الجزائري لكنّها تنبذ فكرة تعزيز وتحديث قطاع الغاز الجزائري ومضاعفة إنتاجيته، حيث سيؤدِّي ذلك من وجهة نظرها إلى تحويل الجزائر إلى روسيا جديدة قوية وذات نفوذ أكبر في شمال أفريقيا، وعلى الجزائر أن تدرك حقيقة أنّ الدول الأوروبية لا تريد سوى كسب المزيد من الوقت إلى أن يحين أوان التخلُّص من الوقود الأحفوري.

المساهمون