العملات المشفرة تسيطر

العملات المشفرة تسيطر

10 نوفمبر 2021
كل شي في السلفادور يباع ويشتري بالبيتكوين (getty)
+ الخط -

مرة أخرى، لا يُتوقع أن تكون الأخيرة، تعود العملات المشفرة لتفرض نفسها على الأسواق، بعد أن سجلت أكبر عملتين فيها مستويات قياسية جديدة مساء يوم الإثنين، ساعدتها على خطف الأضواء من سوق الأسهم الأميركية التي كانت مؤشراتها الرئيسية الثلاثة تسجل مستويات إغلاق قياسية جديدة أيضاً لتعاملات أول أيام الأسبوع. وبعد أسابيع قليلة، شهدت تراجع بيتكوين، أكبر العملات المشفرة من حيث القيمة ورأس المال السوقي، بأكثر من 12%، تجاوزت العملة الشهيرة مستوى 67770 دولارا لكل وحدة منها، بينما ارتفعت قيمة إيثريوم، التي تليها في القيمة ورأس المال السوقي، ليتجاوز سعرها 4823 دولارا للوحدة الواحدة، في يوم كان سعيداً على مستثمري تلك العملات، التي تجاوز عددها 13 ألف عملة.

وشهد العام الحالي العديد من الأيام السعيدة لمستثمري العملات المشفرة، حيث ارتفعت بيتكوين خلاله بنسبة تتجاوز مائة بالمائة، بينما تجاوزت قيمة إيثريوم حالياً ستة أضعاف ما كانت عليه عند بدايته.
وعلى الرغم من استمرار انتقاد جيمي دايمون، الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغان تشيس الأميركي، والرئيس التنفيذي الوحيد الباقي بمنصبه على رأس مؤسسة مالية بعد الأزمة المالية العالمية، لبيتكوين، ووصفه لها بأنها ليست ذات قيمة، ما زال المحللون الاقتصاديون يتوقعون مزيداً من الارتفاع للعملة المشفرة.
وتجدر الإشارة إلى أن دايمون هو رئيس البنك الأميركي الأكثر مصداقية، وكثيراً ما يلجأ إليه رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) وأعضاء مجلس إدارته لسماع آرائه والاستفادة بها في إدارة السياسة النقدية للبلاد.


وتظهر آراء دايمون في ما يخص العملات المشفرة، وتحديداً بيتكوين، أنه ما زال ينتمي إلى المدرسة الكلاسيكية في القطاع المصرفي الأميركي، الذي لا يرغب في "المغامرة"، أو كما يطلق عليها هو "المقامرة" بالاستثمار في العملات المشفرة، حيث اعتاد الرجل، باعتباره مصرفياً مخضرماً، عدم الوثوق بأي فرصة استثمارية إلا بعد الاطلاع على الأصول التي تدعمها ووضع يده عليها، وهو ما لا يتوفر في حالة العملات المشفرة بطبيعة الحال.
وقبل أكثر من عامين، وبينما كانت وسائل الإعلام الأميركية تعج بتحذيرات دايمون للمستثمرين من شراء بيتكوين وغيرها من العملات المشفرة، كنت أحضر ندوة تعريفية بالعملة الغامضة وقتها، أقامها البنك الذي يترأسه دايمون من أجل التعريف بأوجه الاستثمار في العملات المشفرة التي يوفرها البنك لعملائه، وتشجيعهم على الدخول فيها. ولما سئل دايمون عن ذلك بعدها بسنوات، رد بأنه يثق تمام الثقة أن التدخين ضار جداً بالصحة، لكنه يدرك جيداً أن البعض لن يتوقف عن التدخين، في إشارة إلى أنه لن يمتنع عن بيع العملة المشفرة لمن يرغب في شرائها من عملائه. ووصف دايمون عملاءه بأنهم "كبار وناضجون"، وأنهم يشترون تلك العملات بكامل قواهم العقلية.

في الوقت الذي انطلق فيه الملايين من مواطني العديد من الدول للشراء من العملات المشفرة، اتجهت بعض الحكومات إلى حظر التعامل فيها بأي شكل من الأشكال

هذا الموقف الذي اعتبره البعض غير أخلاقي يظهر بصورة واضحة النجاح الذي حققته تلك العملات والمروجون لها، حتى أنها أصبحت في نظر البعض وجهة استثمار التيار الرئيسي Main Stream، بعد أن تمكنت من حصاد قبول مجتمعي سياسي مؤسساتي، أضاف ما بلغت قيمته مئات الملايين من الدولارات من الطلب الإضافي عليها.

وفي الوقت الذي انطلق فيه الملايين من مواطني العديد من الدول للشراء من العملات المشفرة، كما كان الحال في الهند والإمارات والكويت وبعض بلدان جنوب شرق آسيا، اتجهت بعض الحكومات إلى حظر التعامل فيها بأي شكل من الأشكال، مثل الصين، وحرمت دول أخرى التعامل فيها من الأساس، مثل السعودية ومصر.
ومع اختلاف التوجه في التعامل مع العملات المشفرة بين البلدان المختلفة، جاءت دفعة الثقة الكبرى من هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية SEC، التي أعلنت بوضوح أنها لا ترغب في حظر التعامل في العملات المشفرة، وإنما تحاول تنظيم تلك التعاملات.


ولم يؤثر في تلك الدفعة ما أعلنته الإدارة الأميركية، كما العديد من حكومات دول العالم، عن توجهها لإطلاق العملة المشفرة الخاصة بها، والتي يتم التعامل بها تحت إشراف البنك المركزي في البلد المصدر لتلك العملة.

وتزايد الاهتمام بالعملات المشفرة مع ارتفاع معدل التضخم في أغلب البلدان، الأمر الذي دعا المزيد من المستثمرين إلى النظر إلى العملات المشفرة باعتبارها مخزناً جيداً للقيمة، يوفر الحماية من انخفاض القوة الشرائية لو استمر التضخم في الارتفاع، وفي نفس الوقت يتزايد أعداد الأطراف القابلة باستخدامها كوسيلة آمنة لتسوية المعاملات التجارية.
والشهر الماضي، سمحت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية بإطلاق صندوقين للاستثمار في العقود المستقبلية لبيتكوين، بينما سبقت كندا الولايات المتحدة، وقدمت العديد من الصناديق التي تسمح للمستثمرين بالاستثمار في العملة المشفرة هذا العام. وبخلاف ذلك، ارتبطت العديد من الشركات بسوق العملات المشفرة، الأمر الذي أضاف مليارات الدولارات من الطلب عليها وتسبب في ارتفاع سعرها وتسجيل المستويات القياسية.

تزايد الاهتمام بالعملات المشفرة مع ارتفاع معدل التضخم في أغلب البلدان، الأمر الذي دعا المزيد من المستثمرين إلى النظر إلى العملات المشفرة باعتبارها مخزناً جيداً للقيمة

العملات المشفرة جاءت لتبقى، ويقول البعض إنها جاءت لتقوى، وترى كاثي وودز، الرئيس التنفيذي للشركة صاحبة صناديق الاستثمار ARK ذائعة الصيت وصاحبة أفضل إنجاز بين صناديق الاستثمار الأميركية العام الماضي، أن بيتكوين لديها فرصة للارتفاع بصورة كبيرة، وأنها قد تصل إلى سعر 500 ألف دولار للوحدة خلال خمس سنوات، فهل تضيع السعودية ومصر الفرصة وتتخلفان عن اللحاق بقطار العملات المشفرة السريع تمسكاً بفتوى لم تتضح أسبابها؟ لا أظن أن من اضطلعوا بهذه "الفتوى" يفهمون كثيراً تقنية البلوكتشين Block chain التي تقوم عليها تلك العملات، بينما تقوم البنوك المركزية في العديد من البلدان الأخرى بتحويل نسب متزايدة من احتياطيات النقد الأجنبي لديها إلى العملة المشفرة.

ولو كانت العملات المشفرة شديدة التقلب في نظر مسؤولي البنك المركزي في مصر والسعودية وغيرها من الدول العربية، فتكون النصيحة الواجبة لهم بالاستثمار في "الفن الرفيع" المعاصر، والذي تقول السجلات إنه حقق عائداً يفوق ما حققه مؤشر إس آند بي 500 خلال ربع القرن الأخير بأكثر من 170%.

المساهمون