العالم نحو غلق جديد... ليست كورونا وإنما الحرب

العالم نحو غلق جديد... ليست كورونا وإنما الحرب

30 مارس 2022
الغلاء يجبر الطبقات المتوسطة على كبح الشراء (فرانس برس)
+ الخط -

يتسلل فيروس الإغلاق وتقليص الإنتاج بشكل سريع إلى المصانع المختلفة في أوروبا والصين والولايات المتحدة، حيث أكبر اقتصادات العالم، بسبب الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة والمواد الأولية، إلا أن القادم ربما يكون أشد وطأة مع اضطرار الطبقات المتوسطة حول العالم إلى الدخول في تقشف إجباري بفعل قفزات الأسعار التي تطاول كل شيء، ما ينذر بدخول الاقتصادات في نوع جديد من الإغلاق ليس بفعل جائحة فيروس كورونا هذه المرة وإنما بسبب الركود والغلاء.

وارتفعت أسعار بعض أهم المنتجات في العالم وهي الأغذية والوقود واللدائن والمعادن بما يجاوز قدرات الكثير من المشترين ويجبر المستهلكين على شد الأحزمة ما يهدد الإنتاج. وأجبر ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في الصين مصانع الخزف التي تستخدمه على خفض عملياتها إلى النصف، كما تبحث إحدى شركات النقل بالشاحنات في ولاية ميسوري بالولايات المتحدة تعليق العمليات لأنها لا تستطيع تحميل العملاء تكاليف الديزل المتزايدة بالكامل، فيما تعمل مصانع الصلب الأوروبية التي تستخدم الأفران الكهربائية على تقليص الإنتاج مع ارتفاع أسعار الطاقة، ما رفع تكلفة المعدن.

كما سجلت أسعار الغذاء العالمية رقماً قياسياً الشهر الماضي وفقاً للأمم المتحدة، حيث تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في تعطيل الشحنات من البلدين اللذين يوفران معاً نحو ربع الحبوب في العالم ومعظم زيوت الطهي.

الغلاء يدمر الطلب

وقد يجبر ضغط ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء في العالم المتقدم، الأسر على خفض الإنفاق الاختياري مثل الأنشطة المسائية الخارجية أو الإجازات أو استخدام أحدث أجهزة "آيفون" أو "بلاي ستيشن"، وقد تتسع القائمة لتشمل شراء سلع منزلية والسيارات.

قالت كينيث ميدلوك الثالث، كبير مديري مركز دراسات الطاقة في معهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس الأميركية في تصريح لوكالة بلومبيرغ: "يشير الواقع إجمالاً إلى ما قد يتحول إلى ركود".

في الأثناء، أشارت كريستالينا جورجييفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، في مقابلة مع مجلة فورين بوليسي أخيراً، إلى أن الصندوق يوشك على خفض توقعاته للنمو العالمي بسبب الحرب، كما يرى مخاطر ركود في عدد متزايد من البلدان.

ولفت جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) إلى أن غزو روسيا لأوكرانيا يفاقم ضغوط التضخم عبر رفع أسعار الأغذية والطاقة والسلع الأخرى، لافتا إلى أن بلاده تشهد بالفعل تضخماً مرتفعاً للغاية.

لكن الخطر الأشد يقبع في أوروبا، حيث ترتفع فواتير الطاقة بسبب الاعتماد على الإمدادات الروسية، كما أن أسعار الغاز الطبيعي في القارة أعلى بستة أضعاف مما كانت عليه قبل عام، وتكلفة الكهرباء تزيد بخمسة أضعاف تقريباً.

 أسعار الغذاء العالمية سجلت رقماً قياسياً الشهر الماضي وفقاً للأمم المتحدة

وقد يحصل تهافت على هذه الأسعار مع احتدام الصراع على أعتاب الاتحاد الأوروبي لجعل الشركات والأسر تبتعد عن جميع أنواع الإنفاق، حيث خفضت المملكة المتحدة توقعاتها للنمو الاقتصادي إلى 3.8% من 6% في ظل مواجهة المستهلكين لأسوأ ضغوط على مستويات المعيشة منذ ستة عقود على الأقل.

وقال جيمس سميث، الخبير الاقتصادي للأسواق المتقدمة في بنك "آي إن جي" ومقره لندن: "ما من شكٍ في أن التضخم سيظل مرتفعاً لفترة أطول نتيجة للحرب في أوكرانيا، كما أن الارتفاع المتجدد في أسعار الغاز سيدمر الطلب على نطاق واسع".

وستتأثر صناعة السيارات لاسيما الكهربائية بموجات الغلاء التي تشهدها السلع الأولية، فأسعار مادة الليثيوم، وهي مكون رئيسي في بطاريات السيارات والأجهزة الإلكترونية تشهد قفزات غير مسبوقة. ويتعين على صانعي البطاريات في الصين الذين يدفعون خمسة أضعاف ثمن المعدن مقارنة بالعام الماضي أن يُمرروا بعض هذه التكلفة إلى شركات السيارات، ما قد يبطئ مبيعات السيارات الكهربائية.

تغيير أنماط الاستهلاك

كما بدأ صانعو الأسمدة، الذين يستخدمون الغاز الطبيعي كمواد خام، بتقليص عملياتهم ما ينعكس سلباً على سلاسل توريد الأغذية حول العالم ويرفع أسعارها بشكل أكبر. ورغم أن الطلب على البقالة في العالم المتقدم لا يتغير كثيراً مع الأسعار، إلا أن المتسوقين يغيرون أنماط الشراء، وذلك عبر التخلي عن العناصر الأغلى ثمناً للحصول على بدائل أرخص، لكن لا يزال يتعين عليهم الشراء.

 التضخم سيظل مرتفعاً لفترة أطول نتيجة للحرب في أوكرانيا

وفي الأثناء، تجد المطاعم أن ارتفاع الأسعار يشكل عقبة جديدة أمامها فيما تحاول بالأساس إحياء الأعمال التجارية بعد جائحة كورونا، حيث قال غوس كاسيميس، مالك مطعم "جيميني داينر" في مدينة نيويورك لوكالة بلومبيرغ، إن العملاء يطلبون عدداً أقل من شرائح اللحم والمأكولات البحرية، لذلك خفض مشترياته من الموردين بنحو 10% ورفع أسعار قائمة الطعام مرة وهو مستعد للقيام بذلك مرة أخرى. وأضاف كاسيميس: "الناس أكثر حذراً في الإنفاق، ولا أعرف مقدار زيادة الأسعار التي سيكون المستهلكون مستعدين لتحملها".

في وقت سابق من مارس/آذار الجاري، حذر الملياردير الأميركي كارل إيكان في تصريحات لشبكة "سي إن بي سي" من أن يؤدي التضخم المرتفع إلى ركود عالمي، قائلاً: "أعتقد أنّ من الممكن أن يكون هناك ركود أو حتى أسوأ من ذلك". وأضاف أنّ ارتفاع معدلات التضخم وعدم اليقين بشأن الاقتصاد العالمي، مع الحرب الروسية في أوكرانيا، قد يهددان النمو العالمي.

المساهمون