السياح يعزفون عن لندن بسبب ضرائب التسوق... وازدهار في باريس ومدريد

السياح يعزفون عن لندن بسبب ضرائب التسوق... وازدهار في باريس ومدريد

31 يوليو 2023
انخفاض حاد في زوار شارع أكسفورد الشهير في بريطانيا (Getty)
+ الخط -

أظهرت بيانات رسمية تراجع بريق شوارع التسوق الشهيرة في العاصمة البريطانية لندن وكذلك مناطق أخرى من البلاد لصالح عواصم ومدن أوروبية، لاسيما باريس ومدريد وميلانو، على خلفية استمرار الحكومة البريطانية في فرض ضرائب القيمة المضافة على التسوق، رغم حملات الضغط الكبيرة التي مارستها تكتلات سياحية وتجارية لإعادة نظام التسوق المُعفى من الضرائب الذي كان سارياً قبل خروج بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي في آخر ليلة من عام 2020. ووافقت وزارة الخزانة أخيراً على النظر في الاقتراح ومناقشته رسمياً في السابع من سبتمبر/أيلول المقبل.

ويكثّف رجال الأعمال البارزون في لندن، جهودهم للتأثير على وزير الخزانة البريطاني جيريمي هانت، في حملتهم ضد ما يسمى بـ "ضريبة السياحة"، مؤكدين أن المدن الأوروبية المنافسة هي المستفيد من فرض ضرائب على التسوق.

ووفق تحليل لمؤسسة "أكسفورد إيكونوميكس" البحثية، أكدت "بيزنس ال دي ان"، وهي مجموعة أعمال رائدة في لندن، وهيئات تجارية وسياحية منها غرفة التجارة البريطانية و"بريتيش ريتيل كونسورتيوم" وهي جمعية تجار التجزئة في المملكة المتحدة، وهيئة السياحة "VisitBritain"، أن اقتصاد المدينة يمكن أن يحصل على دعم عظيم قيمته مليار جنيه إسترليني (1.28 مليار دولار) وتوفير 13400 فرصة عمل إضافية، في حال إعفاء الزوار الدوليين من ضرائب التسوّق.

وحثّت "بيزنس ال دي ان" في تقرير قدّمته إلى وزارة الخزانة، على مطالبة مكتب مسؤولية الميزانية بإجراء مراجعة شاملة لـ "ضريبة السياحة"، مع الأخذ في الاعتبار الفوائد الاقتصادية الأوسع، بما في ذلك المطاعم والمسارح والفنادق، فضلاً عن تجار التجزئة.

وفي ردّها على أسئلة "العربي الجديد" عن التحديات والفرص التي تواجه صناعة السياحة في المملكة المتحدة بسبب تطبيق ضريبة السياحة، تقول تريسي إدنغتون، رئيسة قسم الإعلام لدى هيئة السياحة، إن المملكة المتحدة هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي لا تقدم التسوّق المُعفي من الضرائب للزوار من خارج الاتحاد الأوروبي.

تؤكد إدنغتون أن "التسوق يعد محركاً مهماً للغاية للسياحة الوافدة، لا سيما بالنسبة للزوار ذوي الإنفاق المرتفع، ومنهم الوافدون من دول مجلس التعاون الخليجي.. في فترة ما قبل جائحة كورونا فإن نحو 55% من جميع الزيارات إلى المملكة المتحدة شملت التسوّق، ويرتفع هذا الرقم في لندن إلى 64%، حيث أنفق الزوار الذين تسوقوا في عموم المملكة المتحدة خلال إجازاتهم في عام 2019، أكثر من 18 مليار جنيه إسترليني (23.04 مليار دولار)".

وتلفت إلى أن الزوار الذين يأتون أيضا إلى المملكة المتحدة من أجل البيع بالتجزئة يفيدون أيضاً الاقتصاد الأوسع والإنفاق على الإقامة والمعالم السياحية وشركات الضيافة أثناء إقامتهم.

وتتابع: "كان من الممكن أن تكون إعادة تقديم التسوّق المُعفى من الضرائب، حافزاً كبيراً للزوار لاختيار بريطانيا. ووضعنا أيضاً كوجهة تسوق متميزة في العالم مع الوجهات المنافسة ودفع الاستثمار الداخلي وتحقيق النمو لاقتصاد الزوّار".

استقطاب الخليجيين الأكثر إنفاقاً

تقول إدنغتون إن "دول مجلس التعاون الخليجي تعد من أهم الأسواق السياحية في المملكة المتحدة، موضحة أنه في عام 2022، أنفق الزوار من الخليج ملياري جنيه إسترليني على رحلاتهم إلى بريطانيا، كما يقضي زوار دول الخليج فترة أطول، حيث يقيمون 16 ليلة في المتوسط مقارنة بمتوسط السوق البالغ ثماني ليال".

في السياق، قال جون ديكي، الرئيس التنفيذي لمجموعة الضغط البريطانية "لندن فيرست" إن إلغاء "ضريبة السياحة" سيؤدي إلى تعزيز الاقتصاد من خلال زيادة الإنفاق من الزوار الدوليين في المتاجر والمطاعم والفنادق وغير ذلك، وسيوفر دفعة اقتصادية سنوية.

وعلى الرغم من قول وزارة الخزانة إن إلغاء "ضريبة السياحة" سيكلفها نحو 1.4 مليار جنيه استرليني (1.79 مليار دولار) من الضرائب المفقودة، فقد قدر الخبراء أنه سيكون هناك في الواقع ربح صافٍ للخزانة لا يقل عن 350 مليون جنيه استرليني (448 مليون دولار) سنوياً.

ومنذ إيقاف ميزة التسوق المُعفى من الضرائب، دأبت الرابطة الدولية للبيع بالتجزئة وتجمع New West End (يضم 600 تاجر تجزئة من المملكة المتحدة ومطاعم وأصحاب الفنادق ومعارض وأصحاب عقارات في لندن) على الدعوة لإعادتها إلى وضعها السابق.

اللافت أنه قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان يمكن للسائحين استرداد ضريبة القيمة المضافة على البضائع التي اشتروها في متاجر بريطانيا، في المطارات ونقاط المغادرة الأخرى من البلاد. بيد أنه عقب إلغاء الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة، ازدادت تكلفة السلع نفسها بنسبة 20%.

وكان من المقرر إعادة المبالغ المستردة لضريبة القيمة المضافة للسياح في "الميزانية المصغرة" لوزير الخزانة السابق كواسي كوارتنغ العام الماضي، ولكن قبل إنجاز ذلك، تم إسقاطها من قبل الوزير الحالي جيريمي هانت.

وفي تحول ملحوظ، باتت بريطانيا الدولة الوحيدة في أوروبا التي ألغت مزايا التسوق المعفى من الضرائب للزوار الدوليين. ولم يؤد هذا الاختلاف الكبير في السياسة إلى ضياع فرصة للاستفادة من القوة الشرائية لعدد كبير من السياح من خارج الاتحاد الأوروبي فحسب، بل أدى أيضًا إلى إهدار إمكانية جذب المستهلكين من الاتحاد الأوروبي الذين كانوا ينفقون بسخاء في بريطانيا قبل مغادرتها التكتل.

شارع أكسفورد يخسر

وتكشف بيانات رسمية عن انخفاض كبير في الإقبال على شارع أكسفورد، أكثر الشوارع ازدحاماً في بريطانيا خلال العام الماضي، بنسبة بلغت 18% في أعداد الزوار، وهو تناقض صارخ مع مشاهد البيع بالتجزئة المزدهرة التي شهدتها مناطق أوروبية أخرى، حيث يستمتع المنافسون الأوروبيون بطفرة التسوق.

وبحسب ما أوردت صحيفة "ذا ديلي ميل"، شهد شارع "كالفيرسترات" في أمستردام ارتفاعاً مذهلاً بنسبة 30% في الإقبال، في حين تمتع "غران فيا" في مدريد بزيادة جديرة بالثناء بنسبة 26% في عدد الزوار. واللافت كذلك أن تجار التجزئة في أوسلو، عاصمة النرويج، يستفيدون أيضاً من الموقف، من خلال إغراء المتسوقين بالابتعاد عن لندن من خلال تطبيق حافز التسوق المُعفى من الضرائب.

وفقاً للبيانات الأخيرة الصادرة عن وكلاء العقارات "Cushman & Wakefield"، تراجعت مكانة لندن في مرحلة البيع بالتجزئة الأوروبية على مدار الاثني عشر شهراً التي سبقت يونيو/حزيران الماضي. وكشف تحليل مقارنة لأفضل سبعة شوارع للتسوق في جميع أنحاء أوروبا عن وجود تفاوت واضح في الأداء.

نمو قوي في أمستردام ومدريد

وتصدّرت كل من أمستردام ومدريد النمو القوي في الإقبال، في حين شهد شارع الشانزليزيه الشهير في باريس ارتفاعاً ملحوظًا بنسبة 15% في عدد الزوار. وبالمثل، شهد كورسو فيتوريو إيمانويل الثاني في ميلانو زيادة بنسبة 6%.

يعدّ التسوق المُعفى من الضرائب حافزاً كبيراً لمتسوقي السلع الفاخرة والسائحين، وتعدّ لندن واحدة من أكثر الوجهات المرغوبة حول العالم.

وتساهم السياحة الفاخرة ككل بـ 30 مليار جنيه إسترليني في اقتصاد المملكة المتحدة، من البيع بالتجزئة إلى الضيافة، ويعتمد اقتصاد لندن عليها.

ومن خلال إزالة التسوق المعفى من الضرائب وجعل لندن أقل قدرة على المنافسة، مقارنة بالمدن الأوروبية الكبرى الأخرى، أصبحت هذه الصناعة مهددة بالكساد، وفق ناشطين في قطاعات السياحة والتجزئة.