السودان: أزمات اقتصادية مفتعلة لتمرير الانقلاب

السودان: أزمات اقتصادية مفتعلة لتمرير الانقلاب

26 أكتوبر 2021
تدهور الأوضاع المعيشية أشعل غضب الشارع (فرانس برس)
+ الخط -

جاءت الأزمات الاقتصادية المفتعلة في السودان كخطوة أولى ساهمت في تمهيد الأجواء للانقلاب العسكري عبر إثارة غضب الشارع من الحكومة التي واجهت العديد من العراقيل المتعمّدة، حسب مراقبين لـ"العربي الجديد".

ويعيش الشارع السوداني على وقع أزمات معيشية متصاعدة طوال الشهور الماضية، تشمل ارتفاعات كبيرة في الأسعار وشح السلع الأساسية وضعف الخدمات، ما دفع آلاف المواطنين إلى تنظيم احتجاجات شعبية طوال الفترات الماضية.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي، إبراهيم توفيق، لـ"العربي الجديد"، إن أزمة إغلاقات شرق السودان والموانئ افتعلها الجيش من أجل وضع العراقيل أمام الحكومة السودانية، وبالفعل أدى ذلك إلى تصاعد الأزمات الاقتصادية والمالية، ما أثار احتجاجات الشارع الذي يعاني من تدهور الأوضاع المعيشية.

ونقلت رويترز تصريحات لمدير مكتب رئيس الوزراء السوداني، آدم حريكة، أمس الإثنين، قال فيها إن الجيش أثار الغضب في شرق السودان واستغل الأزمات للقيام بانقلاب على حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.

وأضاف: الجيش مسؤول عن إثارة الاضطراب في شرق السودان. وأعلن رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان، أمس الإثنين، حالة الطوارئ في جميع أنحاء السودان، وحلّ مجلسي السيادة والوزراء في البلاد، وكذلك علّق العمل في بعض مواد الوثيقة الدستورية.

إشعال الاحتجاجات
ويغلق محتجون الطرق التي تربط الموانئ الرئيسية بباقي المناطق في السودان، معطلين كل إمدادات السودان، ويطالبون بإلغاء اتفاق وقعته حكومة عبد الله حمدوك مع مجموعات يعتبرها المحتجون لا تمثل الإقليم الشرقي.

وتحديداً منذ 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، يغلق "المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة" (قبلي)، كل الموانئ على البحر الأحمر، والطريق الرئيسي بين الخرطوم وبورتسودان، احتجاجا على ما يقول إنه تهميش تنموي تعاني منه المناطق الشرقية.
ووصف وزير المال السوداني، جبريل إبراهيم، في تصريحات سابقة في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، موقف البلاد من السلع الاستراتيجية بالمقلق وغير المريح، جراء إغلاق الموانئ والطريق القومي الرابط بين العاصمة الخرطوم، ومدينة بورتسودان شرقي البلاد.

وحادثة إغلاق شرق السودان لم تكن الأولى من نوعها، إذ أغلق المجلس الأعلى لنظارات البجا، في 5 يوليو/ تموز الماضي الطريق القومي بين الخرطوم وبورتسودان لثلاثة أيام، قبل إرسال الحكومة وفدا وزاريا في الـ 17 من الشهر ذاته للتفاوض معهم حول مطالبهم، لكن من دون الاستجابة لها، بحسب تصريحات لقيادات المجلس.

صراع مبكر بين الجناحين
وبدأت قصة حدة الاتهامات المتبادلة بين جناحي الحكومة الانتقالية في السودان (المدني والعسكري) في التصاعد منذ عدة شهور على خلفية عمل الجيش في الأنشطة الاقتصادية. إذ أعلن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن مشاركة الجيش في شركات القطاع الخاص أمر "غير مقبول" وأن شركات كهذه يجب أن تتحول إلى شركات "مساهمة عامة".

وقال حمدوك: "كل جيوش العالم لديها علاقة بالاستثمار، لكن الاستثمار المتعلق بميزتهم التفضيلية، مثل الاستثمار في الصناعات الدفاعية، هذا مهم ومشروع، لكن أن تستثمر المؤسسة العسكرية في قطاع الإنتاج وتزيح وتحل محل القطاع الخاص أمر غير مقبول".

ويسيطر الجيش السوداني، الذي يحكم مع تحالف مدني خلال فترة انتقالية بعد إطاحة الرئيس عمر البشير في إبريل / نيسان 2019، على العديد من الشركات في قطاعات الزراعة والتعدين والطاقة.

ويرفض الجناح العسكري في المقابل رفع قبضته عن الأنشطة الاقتصادية ويصر على تمسّكه بها ووضعها تحت بند "الخطوط الحمراء"، بحجة أن الشركات والمؤسسات العسكرية "قطاع عام". وبالتالي، فإن إدارة هذه الشركات لا تتناقض مع فهم الحكومة وإلحاحها على إعادتها للقطاع العام نفسه، حسب الجناح العسكري.
وقال رئيس المجلس السيادي، عبد الفتاح البرهان، في لقاء سابق مع ضباط وجنود في المنطقة العسكرية، إن الجيش السوداني حصر 450 شركة حكومية غير تابعة له، فوجد أن ما يعمل منها بصورة رسمية نحو 200 شركة فقط، بينما يتبع الباقي منها لمؤسسات ووزارات من دون أساس، وقد طرحنا هذا الأمر على مجلس الوزراء.

تعطيل متعمد
ويرى مراقبون أن ما حدث من تدخل للجيش السوداني في الملف الاقتصادي وإصراره على بقاء الشركات التابعة له تحت سيطرته، ساهم في وضع العقبات أمام الحكومة التي حاولت تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، في حين يرى آخرون أن الجيش لا يتحكم إلا في نسبة قليلة من الاقتصاد، وبالتالي ما تفعله الحكومة هو تبرير فشلها الاقتصادي بتدخل الجيش في هذا الملف.

الاقتصادي السوداني، أحمد خضر إبراهيم، أكد لـ"العربي الجديد" أن المكوّن العسكري عمل منذ بداية الشراكة مع الجناح المدني على عرقلة مسيرة الحكومة بالإصرار على عدم نقل تبعية شركاته لوزارة المالية.

وقال إبراهيم إن 80% من الإيرادات العامة خارج سيطرة المكوّن المدني بسبب سيطرة الجيش على العديد من القطاعات الاستراتيجية، مشيراً إلى أنه رغم توصل حكومة حمدوك إلى اتفاق مع المكوّن العسكري لنقل تبعية الشركات إلا أنه فوجئ بتعطيل هذا الاتفاق.
ومن جانبه، أكد الخبير الاقتصادي، عادل عبد العزيز، لـ"العربي الجديد" أن هناك فريقين في هذا الصدد، الأول يقول إن سيطرة الجيش على قطاعات حيوية وراء إفشال الحكومة اقتصاديا، أما الفريق الثاني فيرى أن المكوّن العسكري لا يسيطر سوى على نسبة قليلة من الاقتصاد، وبالتالي فإن حكومة حمدوك تبرر فشلها الاقتصادي بالتذرع بهذا السبب.

وأوضح عبد العزيز أن أوراقا رسمية ومنها تقارير لسوق المال تؤكد أن إجمالي قيمة استثمارات شركات الجيش تبلغ مليار دولار فقط.
ويعاني السودانيون، خلال الفترات الأخيرة، من أزمات معيشية متصاعدة وموجات غلاء متتالية وندرة في الخبز والوقود والدواء والسلع الأساسية، ما دفع الشارع إلى تنظيم احتجاجات للضغط على نظام الحكم من أجل تخفيف الأزمات المعيشة.
وحسب بيانات رسمية، سجل معدل التضخم في السودان انخفاضاً خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي، بتسجيله 365.82 بالمائة، مقارنة مع 387.56 بالمائة في شهر أغسطس /آب الماضي، بتراجع قدره 21.74 نقطة، إلا أنه يبقى عند مستويات قياسية.

وكانت البلاد قد سجلت في شهر يونيو/حزيران الماضي واحدة من أعلى نسب التضخم في العالم عند 442.78 بالمائة. وقال الجهاز المركزي للإحصاء في بيان صدر مؤخرا، إن معدل التغيير السنوي لمجموعة الأغذية والمشروبات سجل 226.93 بالمائة في شهر سبتمبر الماضي.

المساهمون