الديون تهدد الاقتصاد الأميركي: الفائدة المرتفعة وتآكل مكانة الدولار

الديون تهدد الاقتصاد الأميركي: الفائدة المرتفعة وتآكل مكانة الدولار

02 ابريل 2024
نسبة الدين سوف ترتفع إلى 123% إلى الناتج المحلي الإجمالي الأميركي عام 2034 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- مكتب الميزانية في الكونغرس يتوقع ارتفاع الدين العام الأمريكي من 97% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023 إلى 116% بحلول 2034، بينما "بلومبيرغ" تتوقع ارتفاعه إلى 123%، خاصة بسبب استمرار التخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب.
- الخلافات الحزبية داخل الكونغرس تعيق تنفيذ خطط مواجهة الدين العام، مع مطالبة الجمهوريين بتخفيضات كبيرة في الإنفاق ومعارضة الديمقراطيين لهذا الرأي، مما يجعل التوصل إلى حل موحد صعبًا.
- التوقعات بوصول الدين الأمريكي إلى مستويات غير مستدامة تهدد بأزمة مالية قد تؤثر سلبًا على الاقتصاد العالمي ومكانة الولايات المتحدة، خاصة مع التحديات مثل تآكل دور الدولار كعملة احتياطية عالمية.

حذر مكتب الميزانية في الكونغرس في أحدث توقعاته من أن الدين العام الأميركي سيرتفع من 97% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2023 إلى 116% بحلول عام 2034،  وهي نسبة أعلى حتى مما كانت عليه في الحرب العالمية الثانية. 

ورجحت وكالة "بلومبيرغ" في تقرير موسع لها بعد إجراء مليون محاكاة عن مستقبل الدين العام الأميركي أن تكون التوقعات الفعلية أسوأ مما هو معلن.

ووصفت الوكالة توقعات الكونغرس الصادرة في وقت سابق من العام الجاري بأنها "وردية"، مشيرة إلى أنه وفقاً لأسعار الفائدة الحالية فإن نسبة الدين سوف ترتفع إلى 123% إلى الناتج المحلي الإجمالي عام 2034. 

وبافتراض استمرار التخفيضات الضريبية التي أقرها الرئيس السابق دونالد ترامب، فإن النسبة سوف ترتفع بصورة أكبر.

سيناريوهات الدين العام الأميركي

وعبر عمليات المحاكاة التي قامت بها "بلومبيرغ" فإنها وضعت عدداً من السيناريوهات التي يمكن أن يصل إليها الدين العام الأميركي وفق عدد من المحددات. 

وأشارت إلى أن عمليات المحاكاة أظهرت نطاقاً من عدم اليقين حول توقعات البنك المركزي لتوقعات الديون، حيث إن 88% من عمليات المحاكاة وصلت إلى أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي تسير على خطى الزيادة على مدى العقد المقبل.

تقوم خطة إدارة بايدن على رفع الفائدة لمواجهة التضخم وهو ما يؤدي إلى رفع الديون، وفي مقابل ذلك تعمل على فرض زيادات ضريبية على الشركات والأثرياء بما يضمن الاستدامة المالية والتحكم في تكاليف خدمة الديون.

المشكلة وفقاً للوكالة أن تنفيذ مثل هذه الخطة سيتطلب اتخاذ إجراء من الكونغرس المنقسم بشدة على أسس حزبية، إذ يريد الجمهوريون الذين يسيطرون على مجلس النواب، تخفيضات كبيرة في الإنفاق لخفض العجز المتضخم، دون تحديد ما سيخفضونه بالضبط. 

ويقول الديمقراطيون الذين يسيطرون على مجلس الشيوخ، إن الإنفاق لا يساهم كثيراً في أي تدهور في القدرة على تحمل الديون، إذ إن التوازن بين أسعار الفائدة وعائدات الضرائب من العوامل الرئيسية لذلك. 

وتوقعت الوكالة أن الأمر قد يتطلب حدوث أزمة مالية كما في بلدان أخرى للتوصل إلى اتفاق، مثل تدهور سوق سندات الخزانة نتيجة لخفض التصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة، أو الذعر بشأن إفلاس صناديق الرعاية الصحية أو الضمان الاجتماعي أو خسارتها.

وأشارت إلى أن ما حدث الصيف الماضي بعد خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة وارتفاع عائدات أذون الخزانة إلى مستوى قياسي قدم نموذجاً مصغراً لبداية الأزمة، في حين أن شكل النهاية حدث في بريطانيا، حيث أدت سياسات ليزا تراس بشأن التخفيضات الضريبية غير الممولة إلى حالة من الفوضى دفعت بنك إنكلترا إلى التدخل ثم استقالة تراس. 

مكانة الدولار 

في ما يتعلق للولايات المتحدة فإن الدور المركزي الذي يلعبه الدولار في التمويل الدولي ومكانته باعتباره العملة الاحتياطية المهيمنة من شأنه أن يقلل من احتمالات حدوث انهيار مماثل. 

كما أن زعزعة ثقة المستثمرين في ديون خزانة الولايات المتحدة باعتبارها الأصول الآمنة المطلقة، سوف يستغرق الكثير من الوقت. 

ولكن ماذا لو تآكلت مكانة الدولار؟ الإجابة هي أن الولايات المتحدة لن تخسر القدرة على الوصول إلى التمويل الرخيص فحسب، بل أيضاً إلى القوة والهيبة العالمية. 

أيضاً، يثور تساؤل آخر، وهو أن توقعات البنك المركزي الأميركي ، تقوم على أن خفض معدلات الفائدة مع تراجع التضخم إلى المعدل المرغوب وهو 2% سيؤدي إلى التحكم في معدلات الدين، لكن ماذا عن التخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب عام 2017 وستستمر حتى العام 2025؟.

إن استمرار التخفيضات الضريبية في حال عودة ترامب إلى الحكم أو موافقة بايدن على استمرارها، يعني أنها ستكلف الميزانية حوالي 1.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي كل عام بدءاً من أواخر عشرينيات القرن الحالي.

كما أن مكتب الميزانية يفترض خفض الإنفاق الدفاعي إلى 2.5% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.5% في منتصف ثلاثينيات القرن الحالي، وهو افتراض لا يتناسب مع الحروب المستعرة في العالم والتهديدات الجيوسياسية التي تلوح في الأفق. 

وقال وزير الخزانة السابق لورانس سامرز إن التوقعات الأكثر واقعية من شأنها أن تضيف ما لا يقل عن 1٪ من النفقات الدفاعية وهو ما يرفع مستوى الإنفاق ثم الديون. 

توقعات الدين مثيرة للقلق 

وفقاً لنماذج المحاكاة التي قامت بها " بلومبييرغ" فإن الدين سيعادل 123% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2034. والديون عند هذا المستوى تعني أن تكاليف الخدمة تصل إلى ما يقرب من 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أكثر من 1.5 مرة مما أنفقته الحكومة الفيدرالية على ميزانية الدفاع في عام 2023، ويمكن مقارنتها بميزانية الضمان الاجتماعي بأكملها.

تستند تلك التوقعات على أن ارتفاع أسعار الفائدة يعني المزيد من ضغط الديون التي يمكن ان ترتفع بمعدلات أكبر من المتوقع، ووفقاً لآراء اقتصاديين رسميين أو مستقلين وخبراء، فإن التوقعات طويلة المدى للدين مثيرة للقلق. 

وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في وقت سابق من هذا العام إن "الوقت قد حان - أو قد حان في الماضي- للسياسيين للبدء في معالجة المسار غير المستدام للاقتراض".

في حين وصف وزير الخزانة السابق روبرت روبين في يناير/كانون الثاني الماضي، الوضع في الولايات المتحدة بـ"الرهيب" في ما يتعلق بالعجز.

وقال مؤسس شركة سيتاديل كين غريفين، في رسالة إلى مستثمري صناديق التحوط إن الدين الأميركي يشكل "مصدر قلق متزايد لا يمكن التغاضي عنه". 

وحذر الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك لاري فينك، من أن وضع الدين العام الأميركي أكثر صعوبة.

وقال كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي كينيث روجوف، إن "الحد الأعلى الدقيق للديون غير معروف، وستكون هناك تحديات مع استمرار المستوى في الارتفاع".

وتؤكد الوكالة مقولة روجوف، وهي أن التوقعات لمستقبل الديون غير مؤكدة، فوفقاً لنماذج المحاكاة التي قامت بها، فإنه في أسوأ 5% من النتائج، ستكون نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2034 أعلى من 139%، وهذا يعني أن نسبة الدين في الولايات المتحدة في عام 2034 ستكون أعلى من تلك التي كانت عليها إيطاليا المعرضة للأزمات في العام الماضي. 

إن الوصول إلى مسار مستدام كما طالب باول سوف يتطلب اتخاذ إجراء من جانب الكونغرس، لكن السوابق لا تبشر بذلك، إذ بلغت الخلافات حول الإنفاق الحكومي ذروتها في الصيف الماضي، عندما أدت المواجهة حول سقف الديون إلى دفع الولايات المتحدة إلى حافة التخلف عن السداد.

وأدى الوصول إلى اتفاق بصعوبة إلى وقف الفوضى ورفع سقف الدين حتى الأول من يناير/كانون الثاني 2025، مما أدى إلى تأجيل صراع آخر حول الاقتراض إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية. 

العالم يتغير 

تقوم التوقعات الرسمية على أنه، ما دام  الدولار هو العملة الاحتياطية العالمية، فمن الصعب حدوث أزمة ديون أميركية، كما أن المشهد السنوي وغير اللائق لسياسة حافة الهاوية المتمثلة في إغلاق الحكومة لم تترك أثراً يذكر في سوق سندات الخزانة.

لكن من جانب آخر، فإن العالم يتغير، حيث تعمل الصين وغيرها من الأسواق الناشئة على تآكل الدور الذي يلعبه الدولار في فواتير التجارة، والتمويل عبر الحدود، واحتياطيات النقد الأجنبي. 

كما تتقلص حصة المشترين الأجانب باطراد من سوق سندات الخزانة الأميركية، مما يختبر شهية المشترين المحليين للأحجام المتزايدة باستمرار من الديون الفيدرالية. 

وعلى الرغم من أن الطلب على هذه الأوراق المالية كان مدعوماً مؤخراً بتوقعات قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة، فإن هذه الديناميكية لن تكون موجودة دائماً.

ولاحظ هربرت شتاين ــ رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في سبعينيات القرن العشرين ــ أنه "إذا لم يكن من الممكن أن يستمر شيء ما إلى الأبد، فسوف يتوقف". 

وإذا لم تتمكن الولايات المتحدة من ترتيب بيتها المالي، فسوف يتأكد رئيس الولايات المتحدة في المستقبل من صحة هذا المبدأ. وإذا تبخرت الثقة في أصول العالم الآمنة، فسوف يعاني الجميع العواقب.

المساهمون