الجزائر: تحجيم الواردات لتخفيف الأزمة المالية

الجزائر: تحجيم الواردات لتخفيف الأزمة المالية

10 مايو 2022
الحكومة تستهدف تقليص الواردات إلى ما دون 30 مليار دولار سنوياً (بلال بنسالم/Getty)
+ الخط -

تسابق الحكومة الجزائرية الزمن، من أجل تقليص فاتورة الواردات عبر فرض جملة من الإجراءات الجديدة على عمليات الاستيراد، بهدف مواجهة الأزمة المالية والتآكل السريع لاحتياطي البلاد من العملة الصعبة.
وتعمل الحكومة الجزائرية على تقليص عمليات خروج العملة الصعبة إلى خارج البلاد، وذلك من خلال إدراج منصة رقمية خاصة بالمنتجات المحلية تشمل جميع القطاعات، حيث يمنع على المستوردين جلب المنتجات من الخارج في حالة ثبوت توافرها على المنصة الرقمية الجديدة.

ضوابط للاستيراد
حسب ما كشف عنه نائب مدير التنظيم والشؤون القانونية بوزارة التجارة الجزائرية، عبد الله بلقاسمي، لـ"العربي الجديد"، فإن "جميع المستوردين سيكونون ملتزمين بمعاينة المنصة الرقمية للوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية قبل تقديم طلب التوطين البنكي، للتحري حول توافر المنتج المراد استيراده قبل تقديم الطلب للبنك".
وأضاف ممثل وزارة التجارة الجزائرية أن "عملية التوطين البنكي للمنتجات الموجهة للبيع المباشر تتم بشرط استصدار وثيقة من وكالة ترقية التجارة الخارجية "ألجيكس"، والتي تم إدراجها بملف التوطين بالوكالة البنكية المعنية بتلك العملية، وعلى البنوك الالتزام بطريقة صارمة بطلب تلك الوثيقة قبل القيام بأي عملية للتوطين لصالح المستوردين".

وحول الهدف من تشديد إجراءات الاستيراد، أكد بلقاسمي أن "الحكومة تسعى من وراء تقييد عمليات الاستيراد، إلى تقليص فاتورة الواردات وتشجيع الصناعة المحلية والمنتج المحلي، حيث تم إصدار تعليمات سابقة موجهة للمنتجين الجزائريين بهدف وضع برامج ومطويات تتضمن أسماء المنتجات المصنعة محليًا، ويتم إرسالها لوزارة التجارة لضمان الالتزام بتوريدها للسوق المحلي مع تحديد مدى قدرة كل منتج على تغطية السوق".

حماية المنتجات المحلية
بالموازاة مع هذه الخطوة الحمائية للمنتج المحلي، أعلنت اللجنة الجزائرية للتجارة الخارجية في بيان لها، عن فتح تحقيق في قائمة المنتجات الجزائرية التي أحصتها وزارة التجارة، وقالت إنها تتضمن العشرات من المواد المستوردة والتي تحمل بصمة "صنع في الجزائر"، وهذا ما يعتبر غشا وتمويها، وخيانة للاقتصاد الجزائري، حسب اللجنة.
وطالبت اللجنة في بيان تحوز "العربي الجديد" على نسخة منه، الحكومة بدراسة جيدة للسوق، لمعرفة نسبة تغطية كل منتج لاحتياجات الاستهلاك الداخلي، قبل إعلان هذا القرار بطريقة فجائية، ما من شأنه أن يتسبب في أزمة في تموين الأسواق ويشجع على المضاربة وارتفاع الأسعار.
وكانت الحكومة الجزائرية قد وضعت قبل سنتين قائمة بالمواد الممنوعة من الاستيراد بحكم إنتاجها محليا، وأخرى خاضعة لرسم إضافي يتراوح بين 20 و250 بالمائة، تمس أكثر من ألفي منتج زراعي وحيواني وصناعي، وذلك بهدف كبح الواردات وتقليصها إلى ما دون 30 مليار دولار سنويا.
وبالرغم من التأكيد المتواصل من طرف الحكومة، إلا أن الخبراء والمتتبعين للاقتصاد الجزائري يجدون صعوبة في الاقتناع بالرهان الذي رفعته الحكومة، بالنظر إلى طبيعة الاقتصاد الجزائري الريعي، حيث أكد مراقبون لـ "العربي الجديد" أن كبح الواردات يبقى مجرد علاج لأعراض المرض وليس للأسباب الحقيقية للأزمة، بعدما كشفت الأرقام أن الإجراءات الحكومية ابتعدت عن الأهداف التي وضعتها.

حلول جزئية
من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي جمال نور الدين، أن هذه الإجراءات تبقى حلاً إدارياً جزئياً يُطبّق على بعض المواد والسلع، فيما تبقى الحكومة عاجزة عن تخفيف استيراد الأدوية والحليب بالإضافة إلى السكر، وهي سلع تكلف خزينة الدولة عشرات المليارات من الدولارات، وذلك لارتفاع الطلب الداخلي عليها وعدم إنتاجها وصناعتها محلياً بكمية تحقق الاكتفاء.

ولفت نور الدين، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "تقليص الواردات إلى 30 مليار دولار يعني عدم استيراد الكثير من السلع والمنتجات، ما يعني نقصا في العرض في الكثير منها، ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعارها".
وأردف قائلا: "منع استيراد السيارات أدى إلى ارتفاع أسعارها بنحو 40%، بعدما جمدت الحكومة عمليات استيرادها إلى يومنا هذا، الشيء نفسه بالنسبة لمواد البناء كالرخام والخشب التي قفزت أسعارها بنحو 25%، حتى مواد التجميل والمواد الغذائية الثانوية ارتفعت أسعارها بسبب تقليص الكميات المسموح باستيرادها، ما جعل المنافسة تقل بينها وبين المواد المستوردة".
وتستهدف الحكومة من خلال تحجيم الواردات تقليل الإنفاق على الاستيراد وتخفيف حدة الأزمة المالية التي أدت إلى نزيف متواصل للاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية.
وتلخّص الأرقام التي توقّعتها الحكومة فيما خص احتياطي النقد الأجنبي امتداد الوضعية الحرجة لاقتصاد الدولة العضو في "منظمة الدول المصدرة للنفط" (أوبك) خلال السنتين المقبلتين، إذ تشير التوقعات الرسمية إلى سرعة تآكّل احتياطي العملة الصعبة لدى المصرف المركزي، بما يتعدى الخطوط الحمراء. وفي 25 يوليو/ تموز الماضي، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون انخفاض احتياطي النقد الأجنبي إلى 44 مليار دولار بعدما كان في حدود 62 مليار دولار في فبراير/ شباط 2020.

المساهمون