التصدير هو الإصلاح الاقتصادي الحقيقي

التصدير هو الإصلاح الاقتصادي الحقيقي

30 يونيو 2021
المركزي المصري حائر مع تفاقم الديون السيادية
+ الخط -

على الرغم من الطمأنات الكثيرة التي سمعناها من المسؤولين على مدار الأعوام الخمسة الماضية في ما يخصّ مستقبل الاقتصاد المصري، ومع الوعود المتكررة بتخفيض حجم الدين العام، كرقم وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، أكد موقع statista.com المعنيّ بالإحصاءات الاقتصادية لكل بلدان العالم أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في مصر تجاوزت 90% في العام الماضي 2020، مشيراً إلى أن المتاح من بيانات حتى الآن يوضح أن هذه النسبة ستصل إلى 92.86% مع نهاية العام الحالي، وهو أعلى مستوى لها منذ عام 2017.

ويجادل كثير من المتخصصين المدافعين عن النظام الحالي في حجم ما يمثله ارتفاع الدين العام، أو الدين الخارجي، من مشكلة للاقتصاد المصري، مشيرين إلى أن الارتفاع في حجم ما يُقترَض يتزامن مع ارتفاع مماثل في حجم الناتج المحلي الإجمالي، أي حجم الاقتصاد، وبالتالي لا يُعَدّ ذلك من العلامات السلبية.

وأكد هؤلاء، إمعاناً في الإشادة بمتخذ القرار، أن ارتفاع حجم الدين، وتحديداً الجزء الخارجي منه، إنما يعني تزايد ثقة المُقرضين بالاقتصاد المصري، بعد إتمام ما أطلق عليه المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي.
وبينما ينفي ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي ادعاءات كبر حجم الاقتصاد بما يسمح بزيادة الاقتراض، يزيد من حجم المشكلة ارتفاع المكون الخارجي من الدين العام، في وقت يتراجع فيه صافي إيرادات البلد من العملة الأجنبية، الأمر الذي يزيد من الضغوط المستقبلية على ميزان المدفوعات وعلى الحساب الجاري للبلاد، وكلاهما مختل بصورة كبيرة.
وتجاهلت وجهة النظر السابقة عدة حقائق لا تقبل المناقشة، أولها أن الجزء الأكبر من الدين الخارجي المصري، الذي اقترب من 130 مليار دولار مع نهاية العام الماضي، يأتي قدرٌ لا يستهان به منه من أكبر حليفين للنظام الحاكم في مصر في الوقت الحالي، هما السعودية والإمارات، بالإضافة إلى صندوق النقد والبنك الدوليين، الأمر الذي يعني أن القرار السياسي كان هو المسبّب له، وفقاً لتصريح واضح من مسؤول مصري سابق عمل قبل فترة مديراً تنفيذياً في صندوق النقد الدولي.
وتجاهلت وجهة النظر نفسها أن جزءاً آخر لا بأس به من القروض يأتي كرهاً من البنوك العاملة في مصر، التي يُفرض عليها شراء أذون الخزانة المصرية الصادرة بالعملة الأجنبية، بما فيها فروع البنوك الأجنبية، حتى لو رفضتها إدارات المخاطر العاملة فيها.

وفيما لا يملك البنك المركزي المصري "من الناحية النظرية" إجبار تلك البنوك على شراء أوراق الدين التي يصدرها، تمتلك السلطات المنظمة لعمل البنوك في مصر، وفي أغلب الدول، ما يمكّنها من الضغط على المؤسسات المالية لتنفيذ ما تمليه عليها وتشكيل محافظها الاستثمارية بالصورة التي تفضلها، وإلا تعرضت لعقوبات مباشرة أو غير مباشرة، وهناك العديد من الأمثلة.
أما ما بقي من دين خارجي، فقد اقتُرِض من الأسواق بعد إغراء المستثمرين بمعدلات فائدة شديدة الارتفاع، فاقت ما كان معروضاً في أسواق السندات العالمية في كل بلدان العالم، باستثناء دولتين أو ثلاث من مصدري السندات التي يطلق عليها "الخردة Junk Bonds"، والتي لا يمكن إصدارها إلا بعد التنسيق مع المستثمرين على شرائها، وبمعدلات الفائدة التي يفرضونها بأنفسهم.
وتختلف المشكلات في ما يخص الدين الداخلي، حيث ترتفع تكلفته بصورة كبيرة، تتجاوز ما تدفعه أغلب الدول، وهو ما يعني اضطرارنا إلى دفع "علاوة Premium" لجذب المستثمرين، حتى المحليين.

وفي تقرير حديث صادر عن وكالة بلومبيرغ، ظهر أن مصر تدفع أعلى فائدة حقيقية للمستثمرين في العالم، باقتصاداته النامية والمتقدمة، فقيرة كانت أو غنية.
وفي الوقت الذي يدرك فيه الجميع أن بند خدمة الدين قد تضخم وأرهق الميزانية المصرية بعد أن استولى على كل الإيرادات الضريبية تقريباً، ولم يترك إلا النزر اليسير للإنفاق على بنود الصحة والتعليم والبحث العلمي، ما زالت الحكومة المصرية مستمرة في التوسع في إصدار أوراق الدين، ولا تجد سبيلاً للتعامل مع المشكلة إلا بإطالة أمد الأوراق المصدرة حديثاً، أملاً في حدوث معجزة يُلغى بمقتضاها جزء منه، كما حدث في عصر مبارك.
وفي اللحظة التي تكتب فيها هذه السطور، تزفّ إلينا وسائل الإعلام المصرية "بشرى" الموافقة النهائية لمجلس النواب في مصر على مشروع قانون مقدم من الحكومة بإصدار قانون الصكوك السيادية، الأمر الذي ينذر بموجة جديدة من التوسع في الاقتراض الحكومي.
تشوهت صورة أغلب ما اعتبره أنصار النظام الحالي من الإنجازات بسبب تزايد معدلات الاقتراض، وخاصة الخارجي، خلال السنوات الأخيرة، خاصة أن كل ما استُخدِمَت القروض فيه لم يحقق العائد المنتظر، الذي تمنى الجميع أن يكون أعلى من تكلفة الاقتراض، لتحقيق الجدوى الاقتصادية، ولتجنب تزايد نصيب خدمة الدين من الموازنة العامة للدولة.

ولو أن الحكومة المصرية استغلت ما اقتُرِض في الاستثمار في ما يزيد الصادرات، أو يقلل من الاستيراد، أو يوفر فرص نمو في الناتج المحلي تتجاوز معدلات الفائدة المدفوعة في ما اقتُرِض، لكان خيراً لها. لكن المشكلة أن جزءاً كبيراً مما يُقترَض حالياً يُستهلك في سداد قروض سابقة، وما يستحق عليها من فائدة، أو في سد عجز الموازنة العامة للدولة، بما لا يحقق أي عائد استثماري يبرر الاستمرار في الاقتراض.
يدرك الجميع، إلا صاحب القرار الاقتصادي المصري على الأرجح، أن الخروج الحقيقي من النفق المظلم الحالي، بتحقيق معدلات النمو المرتفعة وتخفيف حدة العجز في الحساب الجاري للبلاد الذي يُرحَّل لسنوات قادمة بالاندفاع نحو الاقتراض بالعملة الأجنبية، لن يكون إلا بتحفيز الصادرات وما عُرف قبل عقود بسياسة إحلال الواردات، التي تستبدل ما يُستَورَد من الخارج بمنتجات مصرية. وإلى حين حدوث ذلك، لا يصح الحديث عن نجاح أي برنامج للإصلاح الاقتصادي في مصر.

المساهمون