الاستثمار في بيتكوين ... حلال أم حرام؟

الاستثمار في بيتكوين ... حلال أم حرام؟

19 ابريل 2021
فتاوي عدة تحرم الاستثمار في عملة بيتكوين (Geety)
+ الخط -

يبدو أنّ الجدل المحتدم حول العملات الرقمية، وفي القلب منها بيتكوين، لن ينتهي قريباً، ولم يعد كذلك قاصراً على الخلاف حول مخاطرها الشديدة وحاضرها المتذبذب ومستقبلها الغامض، بل امتد إلى نقاش آخر حول مدى جواز الاستثمار في هذه العملات من الناحية الشرعية، وهل الاستثمار في بيتكوين وغيرها حلال أم حرام؟
ومع الإقبال الشديد على التعامل بالعملات الرقمية خلال الأشهر الأخيرة عقب القفزات التي شهدتها أسعارها تم طرح عشرات الأسئلة التي لم يجرِ حسمها بعد، منها مثلاً:

هل تلك العملات آمنة للاستثمار، أم تحمل درجة عالية من المخاطر، وهل هي حقاً عملات المستقبل التي تقضي على النقود الورقية كما تردد، أم مجرد فقاعة مالية ستنفجر قريباً في وجه الجميع وتلحق خسائر فادحة بالمستثمرين بها؟
ومتى تعترف بها البنوك المركزية مع تجاوز القيمة السوقية لعملة بيتكوين فقط تريليون دولار وإقبال بنوك ومؤسسات كبرى على الاستثمار فيها وقبول الدفع بها، وما مخاطر العملات المشفرة على القطاع المصرفي والمالي والبنوك التجارية والشركات العالمية المصدرة لبطاقات الدفع الإلكتروني سواء الائتمان أو الخصم؟

نقاش آخر حول مدى جواز الاستثمار في العملات الرقمية من الناحية الشرعية، وهل الاستثمار في بيتكوين وغيرها حلال أم حرام

وإذا كان كبار رجال الأعمال مثل إيلون ماسك، رئيس شركة "تسلا" العالمية لصناعة السيارات الكهربائية يستثمر 1.5 مليار دولار في العملات الرقمية، فلماذا يحذر منها مليارديرات آخرون من أباطرة وول ستريت وصناديق الاستثمار ورأس المال المخاطر؟ 
وإذا كان الاستثمار في هذه العملات تكتنفه مخاطر عالية، وترفض البنوك المركزية السماح للبنوك بالاستثمار فيها، لمَ قرار بنك إنكلترا المركزي تشكيل لجنة لتطوير عملة رقمية جديدة كما أعلن وزير الخزانة البريطاني ريشي سوناك اليوم الأثنين؟ 

ولماذا اتخاد البنك المركزي الأميركي خطوة مماثلة؟ ولماذا وصف البنك المركزي الصيني بيتكوين اليوم، أنّها بديل استثماري، وهو ما يمثل تحولاً كبيراً من جانب الصين بعد حملة صارمة على إصدار العملات الرقمية وتداولها منذ ما يقرب من أربع سنوات؟

أضف إلى هذه الأسئلة أسئلة أخرى تم طرحها داخل المنطقة العربية كانت لها خصوصية في ما يتعلق بالعملات الرقمية، فقد حظيت الأسئلة المتعلقة بموقف الأديان السماوية من التعامل بهذه العملات بجزء مهم من الاسئلة، وهو ما دفع مؤسسات مسؤولة عن الفتوى في عدد من الدول بإصدار فتاوى تحرم التعامل في هذه العملات لأسباب عدة.
منها مثلا ما قاله عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، عبد الله المنيع، قبل أربعة أيام من أنّ التعامل بالعملات الرقمية، مثل بيتكوين، يعتبر محرّماً وفقاً لما يراه، قائلاً إنّ العملات الرقمية لا تملك معنى "الثمنيّة"، وتعتبر من أكل أموال الناس بالباطل، وهي أشبه ما يكون بـ"صالة قمار" وعبارة عن مقامرة، وإن كانت ليس كالقمار الواضح.

وسبقت هذه الفتوى فتوى أخرى صادرة عن أمانة الفتوى، بدار الإفتاء المصرية، خلصت إلى أنّ "تداول هذه العملات والتعامل من خلالها بالبيع والشراء والإجارة وغيرها حرام شرعاً؛ لآثارها السلبية على الاقتصاد، وإخلالها باتزان السوق ومفهوم العمل، وفقدان المتعامل فيها للحماية القانونية والرقابة المالية المطلوبة، ولما فيها من الافتيات على ولاة الأمور، وسلب بعض اختصاصاتهم في هذا المجال".

كما أستندت دار الافتاء المصرية في فتواها إلى "ما تشتمل عليه العملات الرقمية من الضرر الناشئ عن الغرر والجهالة والغشّ في مصرفها ومعيارها وقيمتها، وذلك يدخل في عموم قول النبي عليه السلام: "من غشّنا فليس منّا". فضلاً عما تؤدي إليه ممارستها من مخاطر عالية على الأفراد والدول، والقاعدة الشرعية تقرر أنّه "لا ضرر ولا ضرار". 
وأكد شوقي علام مفتي الديار المصرية على عدم جواز التعامل بعملة بيتكوين وشقيقاتها، نظراً لكونها وحدات افتراضية غير مغطاة بأصول ملموسة، فضلاً عن كونها قد تفضي إلى ولادة مخاطر عالية قد تصيب الأفراد والدول.

فتاوى صادرة في عدد من الدول العربية منها مصر والسعودية وليبيا والكويت تحرم التعامل في العملات الرقمية

كما صدرت فتاوى مماثلة في عدد من الدول العربية منها ليبيا والكويت وغيرهما، لكن يظل الوقت مبكراً للحكم على العملات الرقمية من الناحية الشرعية، واجتهادات بعض العلماء ومؤسسات فتوى الحالية قد يتم إعادة النظر فيها مستقبلاً في حال اعتراف الحكومات والبنوك المركزية بهذه العملات والسماح بتداولها والاستثمار فيها.

بل إن بعض هذه الفتاوي قد تكون متسرعة بعض الشيء، حيث لم يدرس مصدروها ملف العملات الرقمية جيداً خاصة من الناحية الاقتصادية والمالية والاستثمارية، وربما لا يعرف بعضهم طبيعة هذه العملات وكيفية تصنيعها واستخداماتها المختلفة وطرق الدفع بها.

وربما تكون هذه الفتاوي مدفوعة بضغوط جهات ما تتخوف من تأثير التوسع في تداول العملات المشفرة وضخ أموال ضخمة بها على سوق الصرف الأجنبي واحتياطيات الدول من النقد الأجنبي، أو استخدام هذه العملات في عمليات غير مشروعة مثل شراء السلاح والمخدرات.

ولذا فإن الأمر بحاجة إلى هيئات شرعية موثوق بها تضم علماء ثقات مشهود لهم بالكفاءة العلمية والدينية لإصدار فتوى بعد عقد لقاءات مع مستثمرين وممثلي مؤسسات على دراية بطبيعة عمل العملات الرقمية.