الاستثمار الجريء في السعودية... فرص كبيرة ومخاطر عالية

الاستثمار الجريء في السعودية... فرص كبيرة ومخاطر عالية

05 فبراير 2024
الحكومة تشجع الشباب على إنشاء مشروعات التقنية الفائقة (Getty)
+ الخط -

رغم تصدر المملكة العربية السعودية دول المنطقة العربية من حيث إجمالي قيمة الاستثمار الجريء في العام 2023، إلا أن هناك مخاوف من حجم المخاطرة التي يمثلها هذا التصدر ومدى قدرة اقتصاد المملكة على الاستمرار فيها في ظل الأعباء المالية المتزايدة مع تراجع أسعار النفط.

واستحوذت السعودية على الحصة الأكبر من قيمة "الاستثمار الجريء" في المنطقة، بلغت نسبتها 52% في العام الماضي، مقارنة بـ31% في العام 2022، طبقاً للبيانات الصادرة عن منصة "ماغنيت" المتخصصة في إصدار بيانات الاستثمار الجريء في الشركات الناشئة بالمنطقة في يناير/كانون الثاني الماضي.

والاستثمار الجريء يطلق عليه أيضاً "الاستثمار المغامر" أو "رأس المال المجازف"، وهو شكل من أشكال التمويل الذي يوفر الأموال للشركات الناشئة، التي لديها إمكانات نمو عالية في المراحل المبكرة، في مقابل الحصول على حصة من الملكية.

وساهم إطلاق عديد من المبادرات الحكومية المحفزة لمنظومة الاستثمار الجريء والشركات الناشئة في إطار رؤية المملكة 2030 في الصدارة السعودية، بحسب البيانات، فضلا عن تطوير البيئة التشريعية والتنظيمية، وظهور أعداد متزايدة من المستثمرين الفاعلين من القطاع الخاص ورواد الأعمال المبتكرين.

غير أن إعلان وزير المالية السعودي محمد الجدعان، الشهر الماضي، عن تأجيل بعض مشروعات رؤية 2030 لتجنب الضغوط التضخمية، ألقى بظلال من الشكوك حول مستوى المخاطرة في الاستثمار الجريء. 

شركات الدوت كوم 

في السياق، يشير الخبير الاقتصادي مصطفى يوسف، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الإدارة السعودية لديها محفظة استثمارية فيها نسبة من الأصول عالية المخاطر، خاصة شركات "الدوت كوم"، أي شركات التقنية الفائقة، التي كان السهم فيها يقدر بالسنت قبل 15 عاما واليوم يقدر بمئات الدولارات.

ويعني ذلك أن هناك فرصة لتحقيق أرباح عالية جدا من رأس المال المغامر، "لكن لا بد ألا تزيد نسبة تلك الاستثمارات عن 5% للحفاظ على أمان المحفظة الاستثمارية"، بحسب يوسف، مشيرا إلى أن السعودية تتمتع بمجتمع شاب وإدارة مغامرة، ما يعزز من فرص التوسع في الاستثمار الجريء.

لكن أمان المخاطرة بهكذا استثمار يرتبط بوجود استشاريين على مستوى عال من الكفاءة في عملية تقييم الأصول التي يُستثمَر فيها، بحسب يوسف، مشيرا إلى أن هذه العملية بالغة الدقة وتحتاج إلى دراية من نوع خاص، وحينئذ يمكن تحقيق أرباح كبيرة من الاستثمار الجريء مع تفادي الخسائر بنسبة كبيرة.

ويشدد يوسف على ضرورة وجود خبراء من داخل السعودية أو من دول الخليج لمتابعة هذا النوع من الاستثمار، وهو ما لا يحصل في نموذج الاستثمار القائم حاليا، إذ يُعتمَد على تقييمات لخبراء من الخارج غالبا، ولذا فإن رأس المال السعودي المغامر ينطوي على نسبة مخاطرة عالية، حسب تقديره.

ولذا يرى يوسف ضرورة تخصيص جزء من نسبة الاستثمار المغامر في السعودية لإعداد مؤهلين من المملكة ودول الخليج في الجامعات الأميركية والأوروبية، بما يجمع بين كفاءة وأمان عمليات تقييم مخاطر الاستثمار الجريء مستقبلاً. 

تلبية احتياج شبابي 

لا يرى الخبير الاقتصادي آلان صفا أن توجه السعودية للاستثمار الجريء في منطقة الشرق الأوسط يمثل مخاطرة عالية، بل هو في قلب الاستراتيجية التي تتبعها حكومة المملكة في الفترة الأخيرة بهدف تنويع الاقتصاد، بحيث لا يكون النفط هو المركز الأساسي للنمو الاقتصادي، فالنفط يدر أموالا لكنه لا يخلق فرص عمل للشباب السعوديين غالبا، خاصة أنهم يمثلون غالبية مجتمع المملكة، حسب ما صرح لـ"العربي الجديد".

ويلفت صفا، في هذا الصدد، إلى أن الشباب السعوديين باتت لديهم مؤهلات هائلة للانخراط المؤثر في سوق العمل، ولذا فهم بحاجة إلى التوسع في هذا النوع الاستثمار الجريء، وهو ما من شأنه إسناد جهود التنمية السعودية من جانب، وخلق فرص عمل متجددة من جانب آخر.

كما يشجع هذا النوع من الاستثمار على تطوير القطاع الخاص، بحسب صفا، مشيرا إلى أن دعم الحكومة السعودية من شأنه أن يشجع الشركات الوطنية الخاصة، وبالتالي يخلق المزيد من فرص العمل للمواطنين، ويدعم الابتكار المحلي ويؤثر على جذب الأموال من الخارج.

وعن المجال الذي تنوي السعودية تركيز اهتمام استثمارها الجريء فيه، يرجح صفا اتجاه حكومة المملكة إلى استثمارات المستقبل التي تهم الشباب، وهي الاستثمارات الخاصة بقطاع التكنولوجيا والمدن الذكية والترفيه والبنية التحتية.

يتابع صفا أن الإدارة السعودية فهمت أن حفظ دورها الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط يقتضي أن تكون رائدة اقتصاديا، عبر إسناد تنويع استثماراتها داخليا وخارجيا لخلق نوع من النمو القوي، يجعل منها قلب المنطقة الاقتصادي بما يسمح لها بالحفاظ على دورها السياسي في علاقاتها مع الولايات المتحدة ودول أوروبا من جهة ومع الدول الكبرى الأخرى، مثل الصين أو الهند، من جهة ثانية.

المساهمون