ألعاب ومواعدة وبيتكوين... خزائن الأشباح تخطف المليارات

ألعاب ومواعدة وبيتكوين... خزائن الأشباح تخطف المليارات

18 فبراير 2021
امرأة تستخدم ماكينة بيتكوين في برشلونة (Getty)
+ الخط -

بدت أسواق المال الأميركية بوابة الولوج إلى العالم الجديد، حيث تمكنت بيتكوين من غزو وول ستريت، كما نفذت شركات أخرى وليدة إلى أروقة قلعة المال في العالم، لتدخل نادي المليارات أيضا في أيام معدودة، وسط صخب خفتت أمامه صرخات مستثمرين كبار يحذرون من لحظة انهيار قد تكون وشيكة، ما ينذر بأزمة كبرى تطاول الأصول الحقيقية التي يحيا العالم على وجودها.

بعد الضجة الكبيرة التي شهدتها وول ستريت في الأيام الأخيرة من يناير/ كانون الثاني الماضي، بفعل غزو جيش من "المستثمرين الهواة" أسهم شركة "غيم ستوب" لألعاب الفيديو وبعض الشركات النظيرة، لترتفع هذه الأسهم بنحو 500% في أيام معدودة، أطلّت شركات أخرى من نفق العالم الافتراضي أيضا لتخطف الأنظار، فجاءت هذه المرة عبر الشركة المسؤولة عن تطبيق المواعدة "بامبل إنك" الذي قاد صاحبة الشركة لدخول نادي المليارديرات في يوم واحد.

فقد قفزت أسهم شركة "بامبل" في أول أيام الطرح، الخميس الماضي، بنحو 85%، ما يجعل تقدير قيمة الشركة يصل إلى نحو 14 مليار دولار، وفقاً لبيانات أوردتها وكالة بلومبيرغ الأميركية، بينما قفزت قيمة حصة المديرة التنفيذية للشركة، ويتني وولف هيرد، إلى 1.5 مليار دولار.

و"بامبل" هي أحدث شركة تقنية تقفز في أول ظهور لها في سوق التعامل، والتطبيق الخاص بها يسمح للنساء فقط بالقيام بالخطوة الأولى خلال مرحلة التعارف عبر الإنترنت، وذلك على غير ما يجري في عمليات التعارف في مواقع التواصل الشبيهة.

كذلك يزداد الزخم حول أسهم شركات الألعاب الإلكترونية، فقد واصلت شركة "إلكترونيك آرتس" فورة شرائها، إذ وافقت على شراء شركة "غلو موبيل" المنافسة لصناعة الألعاب مقابل 2.1 مليار دولار، إذ أدى الإقبال الكبير على ألعاب الفيديو خلال وباء كورونا إلى زيادة النمو في هذا القطاع، وأثار موجة من الاندماج، إذ وافقت شركة "إلكترونيك آرتس" في ديسمبر/ كانون الأول الماضي على شراء "كودماسترز" مقابل 1.2 مليار دولار.

بيد أن النصيب الأكبر من خطف الأنظار جاء لصالح عملة بيتكوين التي قفزت قيمتها بأكثر من 76% في نحو ستة أسابيع فقط منذ بداية العام الجاري 2021، حيث كسرت في تعاملات، أمس الأربعاء، "حائط صد" جديداً، لتصل إلى 51 ألف دولار للوحدة، وترتفع القيمة السوقية لوحداتها المتداولة إلى 946 مليار دولار، مقارنة مع 926 مليار دولار في تعاملات مساء الثلاثاء الماضي، لتجني بذلك 20 مليار دولار في غضون ساعات قليلة.

وتلقت العملات الافتراضية إجمالا دعما من مستثمرين ومؤسسات عالمية، وسط تزايد الإقبال على الاستثمار في بيتكوين بشكل خاص التي توقع محللون أن تصل قيمتها إلى 100 ألف دولار خلال وقت لاحق من العام الجاري، رغم تحذيرات البعض مما وصفوه بـ"خزائن الأشباح"، حيث لا يقابل هذه العملة أي أصول ملموسة.

ومطلع فبراير/ شباط الجاري، أثار إعلان شركة "تسلا" الأميركية للسيارات الكهربائية استثمار 1.5 مليار دولار في بيتكوين جنون التداولات على العملة وقادها إلى مستويات قياسية جديدة، بينما كانت قد قفزت بالأساس بأكثر من 400% في 2020 الذي شهد ظهور فيروس كورونا وتضرر كثير من الأنشطة الاقتصادية التقليدية. وخلال الأسابيع الأولى من العام الجاري، تضخمت القيمة السوقية للعملات الرقمية لتصل إلى نحو 1.4 تريليون دولار.

وبدت معنويات المستثمرين حول العالم أكثر جشعاً في ظل جائحة كورونا، حيث كسب أغنى 500 شخص في العالم خلال العام الماضي نحو 1.8 تريليون دولار، وفق مؤشر بلومبيرغ عن أثرياء العالم.

ولم تعد بيتكوين ملاذ المستثمرين الأفراد، بل نجحت في إغراء الكثير من الشركات والمؤسسات المالية الكبرى في الولايات المتحدة، لتغزو من خلال أطماع الربح السريع أروقة وول ستريت.

فبعد أسبوع من إعلان شركة تسلا عن استثمار 1.5 مليار دولار في العملة المشفرة، تستمر بيتكوين في شق طريقها وسط عالم التمويل التقليدي، ليعلن بنك الاستثمار الأميركي "مورغان ستانلي" أنه يدرس إمكانية المراهنة على بيتكوين، كما وافقت كندا على أول صندوق متداول في البورصة لهذه العملة في أميركا الشمالية.

وهناك إشارات إلى أن المزيد من الشركات ذات الوزن الثقيل في "وول ستريت" قد تنغمس في سوق العملات المشفرة. وذكرت بلومبيرغ في تقرير منفصل أن شركة "كوانتر بوينت غلوبال"، إحدى وحدات شركة بنك الاستثمار الأميركي "مورغان ستانلي"، بدأت تستكشف ما إذا كانت العملة المشفرة ستكون خياراً مناسباً لمستثمريها، وفقاً لمصادر على دراية بالموضوع، إذ يتطلب المضي قدماً في الاستثمارات موافقة الشركة، والجهات التنظيمية.

وفي مقابلة مع محطة "سي إن بي سي"، قال دانييل بينتو، الرئيس المشارك لبنك الاستثمار "جيه بي مورغان"، إن طلب العميل لم يوفر بعد على بيتكوين، لكنه أضاف أنه متأكد من أن ذلك سيتغير.

وتبدو مواقف بنوك الاستثمار والمؤسسات المالية الكبرى أكثر تقلباً حيال التعامل مع بيتكوين والعملات الرقمية بشكل عام، ففي وقت سابق من الشهر الجاري حذّر بنك "جيه بي مورغان" في مذكرة له من اتباع المؤسسات الكبرى نهج شركة تسلا، التي أقدمت على ضخ استثمارات كبيرة في بيتكوين.

وكتب المحللون الاستراتيجيون في البنك بقيادة نيكولاوس بانيجيرتزوجلو إن: "المشكلة الرئيسية، الناتجة عن اتباع أمناء الخزينة بالشركات نموذج تسلا، تتمثل في تقلُّب عملة بيتكوين".

لكن هناك أدلة على أن المزيد من الشركات بدأت في إضافة خدمات للعملات المشفرة، فقد قالت مؤسسة "بي إن واي ميلون"، العاملة في مجال إدارة الأصول وخدمات الأوراق المالية، إنها شكلت فريقاً جديداً يعمل على تطوير منصة إيداع وإدارة الأصول التقليدية والرقمية، كما أعلنت شركة "ماستركارد" أنها ستبدأ في السماح لحاملي البطاقات بالتعامل بعملات مشفَّرة معينة على شبكتها.

وقال إدوارد مويا، كبير محللي السوق في مؤسسة "أواندا كورب" للتداولات الإلكترونية، إن "الفوز بمزيد من التأييد المؤسسي بمثابة المفتاح الذي يحقق لبيتكوين مساراً أعلى".

وطغت إغراءات الربح السريع الذي تحققه بيتكوين على معادلات التحوط التي يفترض أن تركن إليها المؤسسات المالية العالمية والتي تدير محافظ بمئات مليارات الدولارات، إذ أضحى المستثمرون أكثر جشعاً لتحقيق ثروات ضخمة بحلول العام الجاري.

ووفق مقياس الرضا لمختلف الأصول التابع لبنك "جيه بي مورغان"، والذي يستند إلى التقييمات وزخم الأسعار، بدت معنويات المستثمرين أكثر نهماً لتحقيق المزيد من الربح من خلال الأسهم والعملات الافتراضية، حيث أضافت الأسهم العالمية نحو 7 تريليونات دولار منذ بداية العام، لتأتي وول ستريت في صدارة الأسواق، بينما تتعالى التحذيرات من ساعة الانهيار.

ومع ارتفاع مؤشرات الأسهم في السوق الأميركية إلى مستويات قياسية جديدة هذا الأسبوع، تتبادر إلى الأذهان أشهر مقولة للملياردير الأميركي وارن بافيت: "ينبغي على المستثمرين أن يشعروا بالخوف عندما يصبح الآخرون جشعين".

ويعتمد "مؤشر بافيت" على حِسبة بسيطة تتعلّق بتقسيم إجمالي رأس المال السوقي للأسهم الأميركية على إجمالي القيمة الدولارية للناتج المحلي الإجمالي للبلد، ما يظهر أن المؤشر لأول مرة تجاوز ذروته السابقة في 2019 وأن هناك فقاعة منتفخة، إذ قفزت القيمة السوقية للأسهم الأميركية إلى أكثر من ضعف المستويات المقدرة للناتج المحلي الإجمالي للربع الحالي.

وفي مقابل المضاربات الحامية في أسواق الأسهم والعملات المشفرة، تبدو الصين، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أكثر تحوطاً وتريثاً، بينما تخطو في كثير من الأنشطة المالية والاستثمارية بقوة نحو انتزاع لقب أكبر اقتصاد من الولايات المتحدة. فقد اتخذت الدولة خطوات نحو تحجيم الشركات العاملة في الخدمات المالية الإلكترونية ووضع ضوابط للاستثمار للحد من أي تقليبات أو صدمات مفاجئة.

المساهمون