أصدقاء مصر وتمويل السد

أصدقاء مصر وتمويل السد

26 ابريل 2021
القاهرة قلقة من مشاركة دول خليجية في تمويل السد
+ الخط -

خلال اجتماع لجنة الشؤون الأفريقية، في مجلس النواب المصري الذي عُقد قبل أيام، عرض وزير الخارجية سامح شكري، تطورات أزمة سد النهضة بعد فشل جولات التفاوض الأخيرة، وما تلا ذلك من إعلان إثيوبيا قرارها بالملء الثاني في الصيف، وما يترتب عليه من سيناريوهات ومخاطر، ولأول مرة، يعرض مسؤول مصري، مساهمة شركات عربية في تمويل السد، ورغم ما بدا من إشارة وزير الخارجية بوصفها إيضاحا لشبكة مصالح واسعة تصطف مع إثيوبيا، إلا أن ما نشر رسميا يحمل قدرا من المراوحة بين الإقرار بمشاركة أطراف عربية في التمويل، وبين نفي أن هناك "دولا صديقة" تمول السد، بمعنى آخر هناك فصل في الخطاب الرسمي بين استثمارات شركات "الدول الصديقة" في سد النهضة وبين "الدول الصديقة"، وبالتالي تبرئة للأطراف التي يأتي ذكرها مجهلا. ويرجع تحفظ القاهرة عن مناقشة ذلك صراحة، نظرا للعلاقات التي تربطها بدول خليجية قدمت دعما لمصر في صورة استثمارات ومساعدات وقروض بعد 30 يونيو، لكن ذلك لا يخفي قلقا رسميا أظهرته القاهرة من دعم السعودية والإمارات الاقتصاد الإثيوبي وسد النهضة خصوصا.

وفي الموضوع أطروحتان، الأولى لا إمكانية للفصل بين الشركات والمستثمرين المشاركين في تمويل السد وبين جنسيتهم ودولهم، كما هناك شواهد على دعم وتوجيه رسمي لتلك الاستثمارات، سواء المتعلقة بسد النهضة أو مجالات أخرى ترتبط بالسد.
أما الأطروحة الثانية فهي أنه لا يمكن الفصل بين التعاون الاقتصادي المتنامي بين دول خليجية وإثيوبيا، وفترة بناء سد النهضة، ولا ينطلي أيضا الفصل بين ما هو اقتصادي وسياسي، أو محاولة تسويق التعاون بوصفه مساعدات إنمائية منزهة عن المصالح السياسية وامتلاك النفوذ عبر بوابة الاقتصاد، وفي تعهد الإمارات دعم الاقتصاد الإثيوبي بثلاثة مليارات دولار في شهر يونيو 2018 مثال واضح. وفي هذا السياق نجد شكلين من التعاون: الأول مباشر ويتمثل في المساهمة في التمويل، والتبرعات والمنح، أو ما يترتب على بناء السد من مشروعات اقتصادية مستقبلية، مثل مشروعات الطاقة والزراعة وغيرها. أما الشكل الثاني فيرتبط بحجم التعاون الاقتصادي، المتزامن مع إنشاء السد، وفي كل الأحوال لا يمكن الفصل التعسفي بين أشكال التعاون والاستثمار الاقتصادي، سواء الموجه للسد بشكل مباشر أو لمشروعات أخرى، كما فك الارتباط ما بين هو سياسي واقتصادي في ظل عالم يموج بالصراعات والتنافس، وتجاهله يخفي حقائق ومرتكزات علاقات القوة والتأثير، بالإضافة إلى أن التعامي عن دراسة ورؤية الحقائق ينتج خطأً في تقدير الموقف.
يتحدث البعض عن فك الارتباط بين الشركات والدول، وهذا صحيح نسبيا، في نمط اقتصادي معولم، عابر للحدود، وبالنسبة لشركات ذات الصبغة الكونية، لكن هذه الشركات ومنها الأميركية والأوروبية خصوصا، وربما بدرجة أقل الشركات الصينية والروسية لا يعني انقطاع الصلة بينها وبين مرتكزاتها وانتماءات شخوصها وجنسياتهم، ويمكن ملاحظة ذلك في عدة مواقف، منها توجهات الإدارة الأميركية ضد الشركات الصينية، وإذا ما كانت الصراعات والارتباطات قائمة في السوق العالمي، ومع كيانات اقتصادية يمكن وصفها عابرة للحدود ومتعددة الجنسيات، فالأمر أكثر وضوحا لأنشطة المستثمرين العرب وشركاتهم، والتي تولد أحيانا من مؤسسات السلطة وتوجهها الدول.

وفي الشركات الإماراتية والسعودية وأنشطتها في إثيوبيا نموذج للارتباط مع أجهزة الدولة، كما أن المستثمرين العرب لا تنقطع صلاتهم عن مجتمع السياسة والسلطة، والفصل هنا، أو نفي مشاركة الدول، عبر الأفراد، أو الشركات، أو ترحيبها أو غض الطرف على الأقل لا يغير النتائج ولا حقائق التعاون.
ليست الاستنتاجات هنا بارتباط استثمارات الشركات السعودية والإماراتية بسياسة الدولتين، موقفا مسبقا أو نابعا من رؤية نظرية لا تستند إلى الوقائع. هذه التكتلات من مجموعات المصالح والشركات الخليجية تمارس أنشطتها برعاية رسمية، ويمكن التدليل هنا بعدة أمثلة منها أن أنشطة منتدى المستثمرين السعوديين في إثيوبيا، يحضر فاعلياته مسؤولون على مستوى رفيع، بل إن نمو الاستثمارات السعودية العامة والخاصة، وكذلك الاستثمارات الإماراتية تزامن مع فترة بناء السد، وبرعاية رسمية، وهو مربوط بأهداف متنوعة تترجمها اتفاقات الدولتين مع إثيوبيا، وليست توفير المنتجات الزراعية فحسب (المبادرة السعودية للاستثمار الزراعي والأمن الغذائي).
وحين شهدت الفترة من 2009 وحتى 2013 تعثر الاستثمارات السعودية، تدخلت المملكة بشكل رسمي مكثف، ودخلت العلاقات بين الدولتين حينها في طور جديد. وفي عام 2016، وبالتزامن مع زيارة وزير الزراعة السعودي لإثيوبيا، وبعدها زيارة مستشار الديوان الملكي، إلى سد النهضة، وضح أن التعاون السعودي ــ الإثيوبي يتمدد، وله خطة استراتيجية ترجمتها اتفاقات أمنية وتجارية بين البلدين. وفي لقاء وزير الدفاع السعودي أفراد الجالية الإثيوبية (نوفمبر 2017) مثال على تزامن الملفات الأمنية والاقتصادية، حيث طرحت مسألة تمويل السد، وحسب تقرير الصندوق السعودي للتنمية (2019) وقعت الرياض مع إثيوبيا اتفاقاً بقرض 140 مليون دولار، لدعم مشروعات بقطاع النقل والطرق والمياه والصرف الصحي.
لا تختلف حالة الإمارات كثيرا، وتعاون البلدين يتجاوز الملفات الاقتصادية، وتمثل سفارة الإمارات بإثيوبيا مركزا نشطا للتنسيق السياسي والاقتصادي. وفي عام 2018، شكل مجلس الأعمال الاستشاري الإماراتي ــ الإثيوبي كأحد تكتلات مجموعات المصالح، وإطارا للنشاط الاستثماري الإماراتي ــ الإثيوبي. وحسب تقارير غرفة دبي، نسق المجلس العام الماضي 336 اجتماعاً، ودعم بعثة تجارية ضمت 40 شركة و80 مشاركاً إماراتياً، غير دعم قدمه صندوق خليفة.
ومن الملاحظات التي تستدعي الانتباه، أن يتزامن تصاعد نمو العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وإثيوبيا بفترات التغيير السياسي في مصر، والذي يمكن ملاحظته بوضوح عبر قراءة المؤشرات في 2011 وعام 2014، ومنها الميزان التجاري غير النفطي.
وعملت الشركات الإماراتية في إثيوبيا حسب تقارير رسمية بمجال الإعمار والبناء (شركة حديد الإمارات)، وكذلك شركات تأجير المعدات. وتوضح مؤشرات السلع التجارية غير المباشرة عام 2017 تضمنها ما يزيد على خمسة ملايين دولار كسلع من ضمنها بوابات وجسور سدود، وهذا التعاون تُوج بإنشاء اللجنة الوزارية المشتركة والتي عقدت اجتماعها الأول في إبريل/نيسان 2015.

موقف
التحديثات الحية

إجمالا، نحن أمام تعاون رسمي في شكل لجان مشتركة رفيعة المستوى، وأنشطة القطاع الخاص تُوجه رسميا، لذا يصبح التعاون الاقتصادي بين دول خليجية وإثيوبيا، عمليا عامل تعزيز لجبهة إثيوبيا في مواجهة دولتي وادي النيل، وإذ ما كان البنك الدولي طالب إثيوبيا بالتفاهم مع جيرانها بشأن المياه كشرط لتمويل سد النهضة (يونيو 2020) كان من الأولى أن يكون الاندفاع نحو الاستثمارات ودعم تمويل السد مربوطا بتقدم سير المفاوضات، وليس العكس. لذا فإن مقولات أن الاستثمارات الخليجية في إثيوبيا والمساهمة في دعم سد النهضة تقتصر على شركات استثمارية وغير ذات صلة بدول صديقة، تحتاج إلى مراجعة لإعادة تقدير الموقف، ويستلزم هذا المشهد الانتباه لما يخلفه هذا الاندفاع من أخطار لا تمس دولتي وادي النيل وحدهما في ملف سد النهضة.

المساهمون