"دورة الانتعاش المصطنعة" تدخل الاقتصاد العالمي في المجهول

"دورة الانتعاش المصطنعة" تدخل الاقتصاد العالمي في المجهول

10 مايو 2021
الحياة التجارية تعود لنيويورك بشكل كامل في بداية يوليو (Getty)
+ الخط -

تعيش أسواق المال العالمية أكبر فترات انتعاشها رغم مخاطر جائحة كورونا، التي ما زالت تضرب الاقتصاد الهندي بعنف وتهدد بدورة إغلاق جديدة في العديد من اقتصادات أوروبا وآسيا. لكن، يلاحظ أنّ أكبر اقتصادين في العالم، وهما الاقتصاد الصيني الذي نما بنسبة 18.3% في الربع الأول من العام الجاري، والاقتصاد الأميركي، يتجهان نحو قيادة دورة الخروج من جائحة كورونا خلال الأشهر المقبلة. في أميركا تتواصل دورة التطعيم المكثفة محاصرة جائحة كورونا، فيما وضعت العديد من المدن الكبرى خططاً لعودة الحياة إلى طبيعتها.

عمدة نيويورك، بيل دي بلاسيو، قال، الخميس الماضي، إنّ المدينة ستفتح بالكامل للأعمال التجارية والتسوق في الأول من يوليو/ تموز المقبل. كما تتجه الشركات في دول مختلفة لفتح مكاتبها خلال الصيف، خصوصاً مصارف حيّ المال البريطاني.
وبينما تعيش أسواق المال الغربية والآسيوية منذ مارس/ آذار الماضي، دورة انتعاش كبرى ومتواصلة لم تشهدها في تاريخها القريب، تثار مخاوف من مخاطر الاستثمار في فترة ما بعد جائحة كورونا، وماذا سيحدث لأسعار الأصول المتضخمة بعد توقف ضخ تريليونات التحفيز والتمويل الرخيص في أسواق الأسهم والسندات.
وتثار المخاوف ببساطة لأنّ دورة الانتعاش الحالية يصفها العديد من خبراء المال بأنّها "دورة انتعاش مصطنعة"، أي أنّها دورة ازدهار لم تصنعها عوامل العرض والطلب في السوق، وإنّما صنعتها الحكومات والبنوك المركزية التي كانت على شفا أخطر دورة انهيار مالي وكساد اقتصادي، وبالتالي ضخت تريليونات الدولارات وخفضت نسبة الفائدة العالمية إلى الصفر لإنقاذ أسواق المال من كارثة انهيار كبرى بعد تفشي جائحة كورونا.
وعلى الرغم من أنّ خبراء المال يرون أنّ تدخل البنوك المركزية والحكومات كان ضرورياً لإنقاذ العالم من الإفلاس، لكنّه في الوقت نفسه يمثل واحداً من أكبر الشِراك التي تهدد مسار الاستثمار في المستقبل. ويرى محللون أنّ هنالك مخاطر كبرى تنتاب المستثمرين حول مستقبل العالم حينما تعود أسعار الفائدة إلى طبيعتها وتتوقف الحكومات والبنوك عن شراء السندات الحكومية وسندات الشركات الهشة.
والكثير من الأمور المجهولة تنتاب مستقبل أسواق المال على المدى القصير بعد كورونا.

في هذا الشأن، يرى الاقتصادي بجامعة "هارفارد" الأميركية، جيرمي ستين، أنّ "الأصول في أسواق المال ستشهد تصحيحاً كبيراً في أسعارها"، ويقول إنّ "من الممكن أن يعيش الاقتصاد فترات متلاحقة من ارتفاع معدل التضخم". وهنالك توقعات واسعة تدور حول ارتفاع معدل التضخم في الدول الغربية بأسرع من التوقعات، رغم التطمينات الصادرة من قيادات المال والنقد. ويرى تحليل في "وول ستريت جورنال" أنّ هنالك العديد من السيناريوهات الخطرة بشأن الأصول المتضخمة ستعاني من التصحيح الحاد في أسعارها. ووفق بيانات الصحيفة، فإنّ أسعار الأسهم ارتفعت إلى أعلى مستوياتها منذ فقاعة شركات "دوت. كوم" كما ارتفعت أسعار المساكن في أميركا وبريطانيا ارتفعت إلى المستويات التي كانت عليها قبل أزمة المال العالمية في عام 2007.

من جهته، يرى الاقتصادي بشركة "غلوبال فاينانشيال داتا" الأميركية، برايان تيلور، أنّ العالم يتجه نحو فترة من الفائدة المنخفضة خلال العامين المقبلين، وربما ترتفع بعدها أسعار الفائدة على الدولار، لكنّه يقول إنّ العالم سيدخل فترة من المجهول ومن الصعب التكهن بدورة أسواق المال ما بعد كورونا. وحسب تحليل بمجلة "فوربس" الأميركية، يتوقع كبار المستثمرين الحصول على عوائد متواضعة من استثماراتهم خلال السنوات المقبلة، ربما لن تتجاوز كثيراً نسبة 3.0%. من جانبها، ترى صناديق التحوط (المحافظ الوقائية) أنّ دورة الانتعاش الحالية مصطنعة، بحسب تحليل مجلة "فوربس" كما تعتقد صناديق التحوط أنّ دورة الانتعاش في أسعار الأسهم الأميركية ستتوقف مع توقف ضخ الأموال الرخيصة في السوق، وبالتالي تتجه صناديق التحوط للاستثمار في أسهم الشركات التي تمكنت من الصمود في فترات التباطؤ الاقتصادي. لقد كان وقع كارثة كورونا على سوق وول ستريت أكبر من أيّ انهيار تعرض له المستثمرين، إذ خسر مؤشر "ستاندرد آند بوورز 500" في أقل من شهر واحد، بين 19 فبراير/ شباط و23 مارس/ آذار 2020، نحو 34% من قيمته السوقية، أي قرابة 15 تريليون دولار. كما ارتفع مؤشر المخاطر " فيكس" إلى أعلى مستوياته وانهارت أسعار السلع الأساسية خصوصاً النفط.
وقد شهد العام الماضي أكبر عملية اختبار للمستثمرين، لأنّ الأثرياء وأصحاب النفس الطويل الذين لديهم القدرة على الاستثمار على المدى الطويل حققوا أكبر الأرباح من عمليات الاضطراب الكبير في السوق. ويرى محللون أنّ الأثرياء استفادوا من ثلاثة عوامل رئيسية في تحقيق الأرباح، وهي استفادتهم أولاً من دورات انهيار أسواق المال السابقة التي ضربت البورصات العالمية حين انهارت أسواق المال يوم الاثنين الأسود عام 1987، ومن فقاعة "الدوت. كوم" عام 2000، وكذلك من أزمة عام 2008. ولاحظ خبراء أنّ الذين هربوا من الأسواق في دورات الانهيار هذه كانوا أكبر الخاسرين. وبالتالي، حافظ كبار الأثرياء والمصارف الاستثمارية على استثماراتهم في سوق المال خلال الأزمة التي خلقتها جائحة كورونا في الأشهر الأولى من العام. وذلك حدث ببساطة لأنّ الأثرياء كانوا يملكون السيولة التي تمكّنهم على البقاء في السوق. 

أما العامل الثاني، فهو أنّ كبار المستثمرين يملكون الخبرة التي تمكّنهم من الحكم على مسار السياسات المالية والنقدية، وتكهنوا أنّ البنك المركزي الأميركي والحكومة الأميركية سيتدخلان بقوة لحماية سوق المال المتضخم الذي بات يعادل 5 أضعاف قيمة الناتج المحلي الأميركي. وذلك باعتبار أنّ سوق المال يعادل نحو 50 تريليون دولار وسوق السندات الحكومية والتجارية يساوي 45 تريليون دولار. أما العامل الثالث الذي مكّنهم من زيادة ثرواتهم من أزمة كورونا، فهو شراء الأسهم بالشركات الرئيسية التي هرب منها المستثمرون وعادت للارتفاع بسرعة بعد تدخل البنوك المركزية والحكومات في السوق، خصوصاً أسهم المصارف التجارية الكبرى في أميركا وأوروبا. وكانت هذه المصارف قد خسرت نحو 25% في المتوسط من قيمتها خلال الأشهر الأولى من 2020.

المساهمون