تذكّرٌ فرنسيّ للربيع العربي

تذكّرٌ فرنسيّ للربيع العربي

06 فبراير 2021
رجلٌ يتمشى ليلاً في مدينة أريحا شمال سورية، 2020، تصوير: عمر حاج قدور (Getty)
+ الخط -

منذ بدايته، قبل عشرة أعوام، لم يكن الربيع العربي حدثاً منغلقاً على البلدان العربية. شرارة الانتفاضات انتقلت إلى أماكن أخرى في المعمورة. وكما طالب الذين خرجوا إلى الشوارع، في تونس ومصر سورية وليبيا والبحرين وغيرها، بالحرية والعدالة وإيقاف القمع والرقابة، فإنهم أرادوا أيضاً الخروج من الصناديق التي أغلقها الحكّام على بلدانهم؛ أرادوا رؤية العالم الذي ينتمون إليه، والعودة إليه بعد سنين من العزل والدكتاتورية. هذا العالم، بناسِه ومثقفيه وصحافييه على الأقل، كان يتابع ما يجري في البلدان العربية، وما زال يفعل ذلك، رغم انخفاض الوتيرة في السنوات الماضية، وتحوّل الأوضاع في بلدان مثل سورية وليبيا إلى يوميات لا تغري الإعلام الباحث عن الجديد والمثير.

لكنّ ذكرى مضيّ عقد كامل على اندلاع الثورات العربية تُعيد الحدث إلى الواجهة من جديد، في فرنسا على الأقل، إذ لا يكاد يمضي يوم من دون نشر مقالات وتحقيقات، أو تخصيص أعداد مجلات، أو عقد حلقات إذاعية أو ندوة حول وضع هذه الثورات بعد عشرة أعوام من انطلاقها، وحول حصيلتها، والتغيير الذي أحدثته.

من الإصدارات الدورية التي خُصِّصَت كاملةً للثورات العربية، العددُ الأخير من المجلة البحثيّة "كونفلونس ميديتيرانّيه" (ملتقيات البحر الأبيض المتوسّط)، والذي تمحور حول عنوان "الثورات والثورات المضادة في العالم العربي"، وكتب فيه باحثون مثل برتران بديع، وجان بيير فيليو، وزياد ماجد، وليلى بورقيبة، حول الأوضاع التي تعرفها سورية وليبيا ولبنان والجزائر ومصر وتونس. ويُذكر هنا أن "معهد بحث ودراسات المتوسط والشرق الأوسط" الفرنسي يخصّص نصف هذا العام لسلسلة من المحاضرات تحت العنوان نفسه تقريباً: "الثورات والثورات المضادة حول المتوسط وفي الشرق الأوسط (2011 - 2021)".

مقالات وأعداد مجلات ومحاضرات لمناقشة حصيلة الربيع العربي

دوريةٌ أخرى توقفت في عددها الأخير، الصادر حديثاً، عند ذكرى الربيع العربي هي "أرابوراما"، التي يصدرها "معهد العالم العربي" بالتعاون مع دار نشر "سوي". وتحت عنوان "كان يا ما كان... الثورات العربية"، كتب العديد من المثقفين والكتّاب والصحافيين، مثل زكية داوود وعلاء الأسواني وكريستوف عيّاد وزهراء علي، حول مواضيع مثل "الجسد ثائراً" (لعبير قريفة) أو حول "مواجهة العنف" (لأكرم بلقايد).

من جهتها، أطلقت إذاعة "فرانس كولتور" سلسلة من أربع حلقات تتساءل فيها عن أحوال "الربيع العربي بعد عشر سنوات". وتطرح كل واحدة من حلقات السلسلة أسئلةً تخصّ بلداً بعينه، كمسألة الديمقراطية في تونس (الحلقة الأولى)، وسيطرة العسكر على السلطة في مصر والسودان (الثانية)، أو النزاع الأهلي والتدخّل الخارجي في سورية وليبيا (الثالثة)، إضافة إلى مسألة الطائفية وضرورة تجاوزها في العراق (الرابعة). الإذاعة نفسها خصصت، منتصف الشهر الجاري، عدّة أيام كاملة لتغطية الموضوع، مستضيفةً العديد من الشخصيات حول طاولات نقاش تساءلت عن ثورة الكلمات التي أحدثها الربيع العربي (بحضور الفنانة السورية سنا يازجي والباحث السياسي زياد ماجد)، أو عن كيفية أرشفة الثورات العربية (بحضور المؤرخة التونسية قمر بندانة، والباحثة في تاريخ الشرق الأوسط إيلينا شيتي).

أما في الصحافة الورقية، فقد نشرت صحيفة "لوموند"، على سبيل المثال، في الأيام الأخيرة، عدداً من الحوارات والمقالات التحليلية، من بينها حوار مع الكاتبين إلياس خوري وأحمد ناجي، يدعوان فيه الأوروبيين إلى الكفاف عن التعامل مع الحكّام الدكتاتوريين العرب بوصفهم حرّاساً للاستقرار والأمان في المنطقة، وكذلك مقال تحليلي لمراسل الجريدة في بيروت، بنجامان بارت، يصف فيه مشهد الفوضى في بلدان الثورات، الذي لا يلغي، رغم كلّ شيء، آمالاً واسعة وحقيقية لدى مجتمعات هذه البلدان بتغييرات جذرية.

بدوره، سلّط موقع "أوريون21" - الذي بات مرجعياً في شؤون وقضايا البلدان العربية في اللغة الفرنسية - الضوء على كتابين صدرا حديثاً ويسمح مضمونهما، بحسب الموقع، بأن يتمسّك المرء بالأمل في ما يخص مستقبل الثورات العربية، وذلك في وجه الخطاب المتشائم السائد. هذان الكتابان هما المؤلَّف الجماعي "روح الثورة: أرشيف وأخبار الثورات العربية" (بالفرنسية، منشورات سوي) الذي أشرفت عليه المؤرخة التونسية الفرنسية ليلى داخلي، و"منطقة ثائرة: خريطة لانتفاضات شمال أفريقيا وغرب آسيا، 2019-2020" (بالإنكليزية، عن "درجة برس"، كندا) للباحث والمدرّس في "جامعة غلاسكو" جاد صعب.

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون