سنة أخرى للشريط الوثائقي

سنة أخرى للشريط الوثائقي

27 ديسمبر 2014
"على إيقاع الأنتنوف" لـ هشام حجوج / السودان
+ الخط -
لا تستقيم مراجعة الإنتاجات الوثائقية العربية خلال 2014 دون وضعها في سياق الانتفاضات والثورات والتغيّرات التي تشهدها المنطقة. فبعد مرور أربع سنوات، حملت ما حملته وكشفت ما كشفته من ارتباكات واختلافات في تفاصيلها ووقائعها، بقي الثابت والمشترك في هذه الإنتاجات عدم انتمائها إلى الزمن القديم ولا لأرشيف شهاداته المزيفة.

كان جلياً أن مشهد إحراق البوعزيزي لجسده سيكون نقطة تحول مفصلية نحو عصر تكون فيه الصورة عنصراً سياسياً بامتياز. هكذا، بدأت اليقينيات والحقائق المطلقة تخفت سنة تلو الأخرى في الزمن الجديد، كما بتنا نرى الكاميرا مربكة، مغرقة في الشكوك، لا تدّعي تمثيل الحقيقة أو نقلها بقدر ما تحاول إثارة الشكوك حولها.

الأشرطة الوثائقية العربية في 2014 شكلت قطيعة، كما هو الحال منذ 2011، مع معنى الفيلم الوثائقي المعهود قبل زمن الانتفاضات والثورات العربية، حيث كانت تقتصر مهمته على تعويم النخبة أو تصوير الطبيعة الخلابة أو الحديث عن الإنجازات التاريخية.

أما اليوم، فقد باتت البطولة للعاديين، للمهمشين والمعدمين. في هذه الفترة، أخذ الفيلم الوثائقي العربي معنى جديداً، أكثر أصالة وتعبيراً عن قدرة الوثائقي على رصد نضالات الأفراد في كافة ميادين الحياة. هكذا، حكت المرأة العربية في أفلام هذا العام عن أزماتها وقضاياها كما في الوثائقي المصري "أم غايب"، والسوري "ملكات سوريا"، والأردني "حبيبي بيتسناني عند البحر"، وغيرها.

ونلحظ أيضاً أن وثائقيات 2014 قلّت فيها محاولات التمجيد وأسطرة الناس لصالح محاولة تقديم الصراعات والأفكار التي تعتمل في دواخلهم حول الانتماء والتغير والهوية. هذا ما تصدت له عدة أشرطة، منها "على إيقاع الأنتنوف" للسوداني هشام حجوج، و"بلا سينما" للجزائري لمين عمار الخوجة، و"جدران ورجال" للمغربية دليلة نادر.

كما تُلحظ غلبة السينمائيين الشباب، الهواة منهم والمحترفين، على الأسماء المشتغلة في الوثائقي هذا العام. لكن هذا لا يعني أن هذه الوثائقيات أهملت قضايا مهمة ومتجذرة في المنطقة، وعلى رأسها قضية اللجوء الفلسطيني التي غدت أكثر إلحاحاً مع كل ما يحدث اليوم. فضمن النكبة السورية، حكت أفلام "اسمي أزرق" و"مسكون" و"رسائل من اليرموك" وأخرى عديدة، مآسي الفلسطينيين في سورية، ولاحق "المجلس" زمن اللجوء في مخيم السخنة في الأردن، كما تناولت عدسات أفلام مثل "أنا مع العروسة" و"زينوس" قضية الفلسطينيين الهاربين من جحيم المنطقة إلى أوروبا.

الثورات العربية بوصفها كشفاً لما يجول في مجتمعات المنطقة من أفكار وأحداث وصراعات سبق تغييبها بفعل الأنظمة السياسية، أتاحت للناس أن تحكي عن نفسها بنفسها، وأن تُظهر أمام الكاميرا صراعاتها وضعفها وأزماتها النفسية والفكرية والثقافية، لتبدو أكثر حقيقةً، على عكس الفرد الذي كان يظهر أمام الكاميرا مبتسماً وبكامل قوته واعتزازه ليكرّر الأفكار النهائية التي صنعتها أيديولوجيا التماثيل.

المساهمون