بختي بن عودة: "رنين الحداثة" في الفردوس الدامي

بختي بن عودة: "رنين الحداثة" في الفردوس الدامي

22 مايو 2015
+ الخط -

عشرون سنة تمرّ على اغتيال المثقف الجزائري بختي بن عودة (1961 - 1995) برصاصة تلقّاها من شخص لم يقرأ له حرفاً، ولا كان يعرف السبب الحقيقي الذي جعله يجهز على شاب كان مشروعه الوحيد تنوير المجتمع الجزائري في زمن صعود الظلاميات الدينية والسياسية.

كان بن عودة بمثابة الصوت المدوّي لجيل أكتوبر 88 في الجزائر، الذي حمل آمال التحوّل والتغيير، فكتب انطلاقاً من وعيين: وعي أكاديمي متشبّع بالمناهج والمرجعيات الفلسفية، ووعي ثقافي يتجلّى في قربه من أسئلة الواقع الجزائري. بن عودة مثقف كان يُحرّكه القلق الفكري والثقافي، خصوصاً أنه كان يرى مسار التعددية الحزبية والإعلامية في الجزائر وقد بدأ يتخذ منعرجات خطيرة، بسبب غياب تصوّر ناضج لفكرة المجتمع الجديد.

نشاط بن عودة الحقيقي كان كتابة المقال الفكري والجدلي والتحليلي والنقدي. يذكّرنا هنا بتجربة فلاسفة مدرسة فرانكفورت الألمانية الذين اتخذوا من المقال الشكل الأساسي للكتابة النقدية. كان المقال الصحافي طيّعاً للتطرّق إلى قضايا الوطن الحاسمة في الفترة الممتدة من أكتوبر 88 إلى عشية اغتياله بالقرب من ملعب كرة القدم حيث كان يلعب الكرة مع أصدقائه.

كتب عن جحيم الأصوليات، وعن القبلية كفكرة متجذرة في العقلية السياسية في الجزائر، كما تساءل عن الحداثة وأعطابها في ظل سيادة شيوخ القبلية حيناً، وسيادة الشرعيات اللاتاريخية أحياناً أخرى، وكتب عن فكرة الاختلاف كأساس بناء جسد اجتماعي متزن، مستلهماً أدواته التحليلية من فلاسفة الاختلاف، وفي مقدمتهم جاك دريدا، وقد جمعت بين الرجلين صداقة متميزة، لم تنفرط حتى بموت بن عودة، حيث رثاه دريدا بحسرة.

انتبه صاحب كتاب "رنين الحداثة" إلى قدرة اللغة على قلب البنى الجامدة للقناعات والمنظومات الدوغمائية للفكر، فاشتغل على المجازات والاستعارات التي اعتبرها أدواته لخلخلة الثابت. الوعي بالنسبة لبن عودة هو بالأساس وعي لغوي، ولا يمكن تجديد الأفكار إلا بتجديد العلاقات بين الكلمات بعضها ببعض، وبين الكلمات والعالم المتحوّل حولها؛ لهذا تكتسب نصوصه روحاً متجددة، ما زالت حتّى اليوم تستفز يقينيات القارئ الجزائري الذي يعايش نفس المشكلات التي نبّه إليها بختي منذ أكثر من عشرين سنة.

لقد قال "الجزائر هي البلد الوحيد الذي تعود إليه نفس المشكلات". يرجع سبب ذلك لكون السؤال النقدي ما زال يبحث لنفسه عن مكان، في ظل سيادة نظام أفكار شمولي معاكس لكل المشاريع التي تسعى إلى تمكين الإنسان الجزائري من تنفّس هواء الحداثة.

المساهمون