هانيبال سروجي: استبدال الصخب والعنف

هانيبال سروجي: استبدال الصخب والعنف

28 مارس 2019
(سروجي مع إحدى لوحاته، تصوير: زينة زَلزال)
+ الخط -

يختار الفنان اللبناني هانيبال سروجي الشكل الدائري لسلسلة من أعماله المستلهمة من جماليات الفن الياباني، حيث الطبيعة الخفيفة في حضورها والألوان الطيفية والمغبشة والتفاصيل القليلة والأساسية، بحيث تبدو المشاهد الحالمة التي يرسمها كما لو كانت انعكاساً وظلالاً على وجه قمر مكتمل.

ربما يكون خيار سروجي (1957) في اختيار هذه المدرسة الفنية غير مرتبط فقط بالمتعة والقيم الجمالية التي تحققها، والمختلفة تماماً عن أجواء الرسم الغربية، فالرسم بهذه الطريقة يتناول في عمقه قيم الخير والشر والحقيقة والزيف لفهم التجربة التصويرية على نحو عميق. الجمال الذي تفرضه أعمال سروجي مصاحب للشعور بالوحدة والهدوء، ومحاولة القبض على مشهد أو شعور عابر مثل غيمة.

تجتمع أعمال سروجي تحت عنوان "الحق في أن تحلم" في معرض يقام حالياً في "غاليري المرخية" في الدوحة ويتواصل حتى 19 أيار/ مايو المقبل. تبدو هذه التجربة خروجاً من منطقة سوداء هي ذاكرة الحرب الأهلية التي دفعته إلى الهجرة، لذلك يبدو أنه يستبدل الصخب والعنف القديمين بدائرة القمر والألوان الخفيفة والأضواء الشفافة والأكريليك، بحيث تبدو اللوحة بسيطة بسبب هذه الخيارات، بينما تحتاج إلى تقنيات معقدة ليتم تركيبها على هذا النحو، وهذا جزء من لعبة العمل الفني لسروجي، أي أن تتحقق البساطة من عملية معقدة وطويلة.

عن ذلك تكتب الناقدة الفنية رشا عيتاني في بيان بعنوان "صائد الحلم" يرافق المعرض "لطالما كانت العلاقة بين الفن السياسي اللبناني والحرب الأهلية اللبنانية وتداعياتها في المنفى علاقة متناقضة. صحيح أن الفن يحتاج إلى السلام والهدوء لتطويره. ومع ذلك، مراراً وتكراراً، تمكن سروجي من إثبات الواقع عبر البقاء وسيطاً بين الواقع والذاكرة من خلال أساليب غير نمطية منذ نفيه القسري عام 1976. واليوم، وبعد مرور أربعين عاماً، طلب سروجي إلينا أن نسترد حقاً أساسياً حرمناه من الحق في الحلم".

في كل لوحة يضع سروجي تفاصيل من طبيعة مرجوّة لا تشوبها شائبة، ولا ينغّص سلاستها شيء، ثمة براعم وأزهار وغيوم عابرة وجبال بعيدة وأشجار، عن هذا تقول عيتاني: "تجسّد الأعمال في هذا المعرض بحث الفنان لالتقاط الصفات العابرة للطبيعة. يتضح التزامه بإتقان التباين المستمر للضوء من خلال المسار التجريبي الجمالي غير التقليدي الذي يجمع بين النار والكربون والغرافيك والقلم الرصاص الملون والنيون والأكريليك".

ثمة لوحات مستطيلة أيضاً، تستلهم الكثير من أجواء أعمال النانغا اليابانية، حيث الطبيعة ممدودة بأناقة في مساحات كبيرة من الفراغ، والأشجار بفروع قليلة وجذوع ناحلة متفرقة، وثمة أكوام صغيرة جداً ومتناثرة من أوراق الشجر، كأن سروجي يخشى أن يقاطع النظر فيترك المتلقي أمام حالة من التأمل البعيد والشرود في مشهد طبيعي لا يشوشه شيء.

المساهمون