"على خطى بن غذاهم": مسالك سردية إلى القرن 19

"على خطى بن غذاهم": مسالك سردية إلى القرن 19

26 فبراير 2020
(رسمة للقيروان في ثمانينيات القرن التاسع عشر، Getty)
+ الخط -

منذ سنوات قليلة، تداول الوسط الثقافي التونسي أخبار شروع المخرج، الراحل أخيراً، شوقي الماجري (1961 - 2019) في إنجاز مسلسل تاريخي ضخم حول شخصية علي بن غذاهم (1814 - 1867)، قائد ثورة حملت اسمه في أواسط القرن التاسع عشر حين جمع حوله القبائل ضدّ نظام الأسرة الحسينية، قبل أن يجري إجهاض هذه الثورة بكثير من الدهاء السياسي والقمع الدموي. عُقدت مقارنات كثيرة بين ما حصل في تلك الفترة والثورة التونسية الأخيرة (2011)، خصوصاً وأن كلَيهما اتخذ تقريباً نفس المسار من منطقة الوسط التونسي وصولاً إلى العاصمة، لتأخذ الثورة مسارات جديدة.

حين فكّر في ذلك المسلسل التاريخي، استعان الماجري بالكاتب حسنين بن عمّو باعتباره مؤلفاً قد تخصّص في الرواية التاريخية حول تونس. وفي الأخير، لم ير المشروع النور في شكل مسلسل تلفزيوني ولكن بن عمّو أصدر بعد فترة، في 2018 تحديداً، رواية حول نفس الفترة بعنوان "1864: عام الفزوع" (منشورات نقوش عربية).

إضافة إلى هذه الرواية، كان الكاتب جمال الجلاصي قد أصدر رواية بعنوان "باي العربان" في 2015 عن "دار زينب"، ونشرت الكاتبة سلوى الراشدي عملاً بعنوان "راس العين" في 2016 عن "دار آفاق"، دون أن ننسى العودة إلى نفس الفترة في كتابات تاريخية عدة إضافة إلى تناول مسلسل تاريخي تونسي بعنوان "تاج الحاضرة" - عرض منذ سنتين - نفسَ المرحلة التاريخية تقريباً.

يشير كل ذلك إلى وجود التفات خاص إلى شخصية بن غذاهم في النص الأدبي أو البحثي، وهو ما يرافقه اهتمام في عدد من الأنشطة الثقافية كما هو الحال مع سلسلة لقاءات بعنوان "على خطى بن غذاهم" تنظّمها مجموعة "قرّاء بلا حدود" طوال شباط/ فبراير الجاري، حيث بدأت بلقاء لقاء مع سلوى الراشدي في 22 شباط/ فبراير الجاري، فيما ستكون اللقاءات المقبلة مع الكاتبين جمال الجلاصي، يوم الجمعة، وحسنين بن عمّو ضيف السلسلة يوم السبت المقبل في مقر "نقوش عربية". هذا إلى جانب مهرجان يحمل اسم "خيمة علي بن غذاهم للشعر العربي" ستعقد دورته القادمة في نيسان/إبريل المقبل.

يقابل هذا الحضور المكثّف لشخصية علي بن غذاهم في السنوات الأخيرة، على مستوى النص الأدبي، حالة من التغييب عرفها لسنوات حيث ظلّ شخصية غامضة من مرحلة ما قبل الاستعمار، ولم يلتفت له مؤرّخو ما قبل 2011 بالشكل الكافي، ناهيك بكُتّاب الرواية، وإن كان ذلك منطقياً في ظلّ غياب فرع الرواية التاريخية من المدونة التونسية فيما عدا تجربة بن عمّو منذ أواخر عقد الثمانينيات، التي اقتصرت قبل 2011 على العصر الحفصي في أعمال مثل "رحمانة" و"باب العلوج"، و"الغروب الخالد"، والأخيرة تمثّل سيرة روائية لعبد الرحمن ابن خلدون.

من وراء كل ذلك، ألا تبدو الكتابة السردية اليوم في مسألة غابت عن النص التونسي لعقود مثل استرداد الصوت بعد أن رفعت الدولة وصايتها عن التاريخ، وبات من الممكن أن نسمع "روايات" غير تلك التي جرى تقريرها بحسب رغبات المسؤولين الحزبيين ومحاولاتهم تطويع تاريخ تونس لمشيئتهم.

المساهمون