الفتاة أم النمر؟

الفتاة أم النمر؟

09 اغسطس 2019
هاني زعرب/ فلسطين
+ الخط -

في القصة المعروفة "الفتاة أم النمر" للكاتب الأميركي فرانك ستوكتون، تقتضي العدالة الملكية أن يقرّر المتهم شكل العقاب الذي يستحقّ أن يناله. فـ العدالة في رأي الملك لا وجود لها في أي مكان على الأرض، ولا أحد يمكن أن يضع لها الحدود غيره.

وعلى هذا فإن "قلبه الرقيق" الذي يأبى أن يتخذ قراراً ظالماً تجاه البشر الذين يخطئون في مملكته ترك للمتهمين وحدهم اختيار الحكم تجاه أنفسهم: إما الموت، وإما السعادة التي يضمنها لهم هو نفسه في ما إذا فاز أحدهم في الاختبار المعد له.

وهذا المعيار يتم اختباره في ملعب كبير يطلّ عليه الملك وحاشيته وكل من شاء من أبناء الشعب. حيث يوضع المتهم في الساحة أمام بابين مغلقين مكفنين من الداخل ببطانة سميكة تمنع عنه صوت من في الداخل، وقد قررت العدالة الملكية أن تضع خلف أحد البابين نمراً متوحشاً جائعاً مرعباً، وتضع خلف الباب الثاني امرأة مناسبة. وهنا تظهر حرية الاختيار العادلة: فالمتهم نفسه يقرّر فيما إذا كان مذنباً أم لا.

لكننا في كل الأحوال لا نعرف رأي المتهمين، أي أولئك المواطنين الذين يقال إنهم قد منحوا حق الاختيار، وما عليهم غير أن ينتظروا حظوظهم. ولكن هل هم راضون عن شكل العدالة؟ هل يقبلون بهذا الاختيار المحمول على المصادفات وحدها؟ وماذا لو كانوا لا يريدون تلك الفتاة التي اختارها الملك زوجة لأي منهم؟

ويصادف أن ابنة الملك أحبّت رجلاً من العامة الذين لا يعبأ بهم أبوها، ويصادف أيضاً أن يعرف الملك بالأمر، فيقرّر معاقبة الحبيب لا ابنته، إذ أن ابنته فوق العدالة.

كانت البنت تعرف مدى قربها من أبيها، وكانت تشبهه كثيراً في منطق الحكم، ولقد وافقت من قبل على منهجه في تطبيق العدالة، ووجدت أنه ابتكار جديد لا يفرض العدالة على أبناء الشعب بل يترك لهم حرية الاختيار، وحين أصبحت هي نفسها في مواجهة هذه الطريقة لم تتردد لحظة واحدة، ولم تطلب من أبيها أن يرأف بحبيبها، وقررت أن تكون حاضرة أثناء تنفيذ الحكم، أو أثناء تنفيذ العدالة.

ولكن بنت الملك لا تملك إلا أن تتسلل إلى التطبيق، وأن تعرف التفاصيل التي لا يعرفها الملك نفسه، بل الجلادون المشرفون على العملية فقط، أي أنها باتت تعرف أين يقبع النمر، وأين تقف الفتاة.

ويقال إن القصة حيّرت القراء في زمنها، وهناك من يمكن أن يحتار في زماننا، وقد تمحورت تلك الحيرة حول الموقف من بنت الملك، لا من سلوك الملك. فحين أشارت ابنة الملك لحبيبها بإصبعها نحو الباب الأيمن، سوف نتساءل: إلى أي باب أشارت؟

أإلى الباب الذي يقبع خلفه النمر أم إلى الباب الذي ستخرج منه الفتاة؟ أي هل تنتصر السلطة التي تربت عليها طوال عمرها، أم ينتصر الحب؟ لا يتضمّن التاريخ تجربة مماثلة تماماً، ولكنه قلما أعطانا دروساً تشير إلى أن عدالة الضمير تتفوّق على تجربة السلطة.

المساهمون