حيدر الزعيم.. للضوء غيابه وملمسه

حيدر الزعيم.. للضوء غيابه وملمسه

15 يوليو 2019
(مقطع من لوحة "قبور دون شاهد"، من المعرض)
+ الخط -

الأسماك والأضرحة ووجوه الجموع البشرية والأحلام المائية هي أكثر المفردات البصرية تردُّداً في لوحات معرض "للضوء ملمسٌ خشنٌ" للفنّان التشكيلي العراقي المقيم في لندن حيدر الزعيم، والذي تحتضنه "قاعة بوشهري" في الكويت منذ الثامن من تمّوز/ يوليو الجاري وحتّى نهايته.

يمازج الزعيم بين واقعية تعبيرية أشهر من عبّر عنها فنّانو جمهورية فايمار الألمانية في أعقاب دمار الحرب العالمية الأولى (1918 - 1933)، وبين واقعية من نوع مختلف تتقدّم فيها مدرَكات الفنان وأفكاره على الاهتمام بالجماليات والتقانات ووسائط الرسم والتصوير المعتادة، ويلخّصها مصطلح الفن المفاهيمي أحياناً، أو الفن ذو الأبعاد الثلاثة، الذي تبلور في أميركا ستينيات القرن العشرين بوصفه فناً حداثياً يتخلّى عن المهارات التقليدية في الرسم والنحت.

وكلا المزاجين يضعان الفن ذاته موضع تساؤل، أي أنَّ عليه أن يفحص طبيعته دائماً. وليس هناك أكثر إلحاحاً على القيام بهذا من الحرب وما تخلّفه من خراب، سواء كانت حرباً على الفيتناميّين أو حرباً على العراقيّين. ولعلّ قراءة ولو سريعة لما يسمّيها الفنّان ذاته "نصوصاً بصرية" تتمثّل في لوحات ملوّنة وأحياناً بصناديقَ ذات عناوين دالّة، يمكن أن تُلقي ضوءاً على معرضه.

عنوان المعرض الأصلي هو "ملمس الضوء الخاص"، ولكن منظّمي المعرض منحوه صفة "الخشن"، ربما بوحي من مشاهد لوحات مثل "قبور دون شاهد" أو "أضرحة دون شاهد" أو "ساحل ليسبوس" أو "مرثية البحر الأخيرة"، بكل ما تبثّه عشرات الوجوه، وجوه الغرقى والموتى المتناثرين على الشواطئ وفي أعماق المياه، من كآبة وشعور بالعزلة والوحشة.

ولكن الفكرة أو المفهوم المهيمن الطائف فوق الشخوص وأقنعة الغوص، وأقنعة الحماية من الغازات السامة، وكلّ ما يحفل به العالم الراهن من أساليب قتل ونفي وتهجير، هي أن تسمية الكرة الأرضية بالكوكب الأزرق، كما قال الفنان حين سألناه عن سرّ هذا الغرام بالأسماك فرادىً وأسراباً في غالبية لوحاته، لا تعني أنه كوكب مائي بل لأنه كوكب تسكنه الأسماك، ويضيف بلهجة من يعرف أن ما من أحد يجهل ما يعنيه: "عالم تلتهم فيه الأسماك الكبيرة الأسماك الصغيرة".

لفنّانٍ بهذا الوعي رؤيته بالطبع. ونجد هذه الرؤية في كلمات يتساءل فيها عمّا تخسره الصورة في حالتها الأولية، المسودّة كما نقول، حين يجري تظهيرها وتتحوّل، وتكتسب ملامحها الواضحة لكي تتمتّع بحضورها البصري، ويجيب أن ما تخسره هو شوائب وانعكاسات ضوء ولحظات ارتباك وخطوط متكسّرة ونقط غير مرغوب فيها، وما هذه إلا أشياء وحقائب رحيل تختزن ذاكرة سرية نودّعها في مكان مهجور يتلاشى في أذهاننا دائماً.

الحديث هنا عن حياة المهاجر، أو المنفي، ذلك الذي تعادل حياته وهم الإمساك بصورته قبل تظهيرها وملامحها القاسية في محاولة لترميم أفق الرؤيا. أحلام المهاجر فضاء باللونين الأسود والأبيض، ثنائية تشبه تلك التي بين الصورة في حالتيها، قبل وبعد التظهير، ولا صورة واضحة الأبعاد لرحلة الهجرة والاغتراب؛ فضاء المهاجر مكان تختفي فيه التفاصيل وتغرق في سطح معتم تجلببه الألوان الشاحبة.

على هذه الخلفية يتّضح عمل الفنّان وطبيعته في هذا المعرض، فهو كما يقول: "نص بصري يكتب القلق والأحلام بصيغ وعلامات"، وأين؟ "في مدن للأشكال فيها انعكاس يخلق ظلال واقع رمزي مصطنع وبالغ الهشاشة".

دلالات

المساهمون