"قبور العالية": عودة الحفريات إلى عاصمة الفاطميّين

"قبور العالية": عودة الحفريات إلى عاصمة الفاطميّين

30 يناير 2019
(البرج الكبير في مدينة المهدية)
+ الخط -

عقب الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها تونس عام 2011، صدرت العديد من الدراسات والتقارير التي ترسم صورة قاتمة عن حالة الآثار في البلاد، في ما يتعلّق بترهّل الجسم البيروقراطي الذي يشرف عليها بعد تضخّمه، والتداخل بين صلاحيات هيئاته، وقلة الدعم المالي، ووجود تقارير حول نهب وتهريب آلاف القطع الأثرية.

تتركّز بعض الانتقادات أيضاً على نظرة النخب التي تدير التراث التونسي، إذ انصبّ الاهتمام لديها منذ الاستقلال على الحقبتين الرومانية والبيزنطية بشكل أساسي وأُهملت الفترات التاريخية السابقة واللاحقة، ومنها الكثير من الآثار الإسلامية التي لا يزال التنقيب عنها مستمراً إلى اليوم.

من بين هذه المواقع الأثرية، ما أُعلن عنه مؤخراً مع اكتشاف قبور إسلامية تعود إلى القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) في منطقة العالية بالقرب من مدينة المهدية (205 كلم جنوب العاصمة) ويرجّح أنها تعود إلى الدولة الفاطمية.

يبدو لافتاً أن تفاصيل الاكتشاف صدرت عن "جمعية الفاطميين للنهوض بالتراث وحماية الآثار" التي تأسّست عام 2002، وتعمل على مساندة الجهد الحكومي في حماية الآثار وصيانة المواقع التاريخية، ما يشير إلى معضلة أشارت إليها الجهات الرسمية مرات عدّة، وتتمثّل بعدم وجود كوادر مؤهلة للقيام بأعمال التنقيب وترميم الآثار، خصوصاً الإسلامية منها.

كما تغيب عند العثور على مواقع جديدة أية خطة لحمايتها وإعادة تأهيلها بسبب انخفاض التمويل اللازم لذلك، رغم أن وزارة الثقافة كانت قد أعلنت عن زيادة المبالغ المرصودة للحفريات وتهيئة المتاحف ضمن ميزانية 2019.

في هذا السياق، لفت المتحدّث باسم الجمعية في مؤتمرها الصحافي الذي نظّمته بالاشتراك مع "المعهد الوطني للتراث" إلى نقص الدعم والعناية من قبل السلطات المشرفة، ومنها مدّ المنطقة الأثرية في منطقة العالية بالتيار الكهربائي، رغم أنها لا تبعد سوى أمتار قليلة من أسلاكه، إلى جانب توفير حرّاس إضافيين وتقديم الدعم المالي.

وحول أهمية الاكتشاف، جرت الإشارة إلى أن القبور الستة المكتشفة تتخذ وضع الدفن على الطريقة الإسلامية، وهي متاخمة للقلعة العسكرية المكتشفة خلال العام الماضي، ما يرجّح وجود مقبرة كاملة على مساحة تقدّر بـ 2000 متر مربع وتضم رفات الجنود العاملين بالقلعة.

وتحتوي القلعة على سور خارجي بطول ثمانية وستين متراً وبعرض أربعة وستين متراً، وتطلّ على مدن المهدية والشابة وقصور الساف، وقد شيّدت بحيث تتسنى للجنود القدرة على تنظيم الصفوف أمام الغزوات، خاصة القادمة من جهة البحر.

يُذكر أن المهدية التي أسّسها الفاطميون لتكون عاصمتهم في بداية دعوتهم عام 912 ميلادية، كانت أولى العواصم والمدن الإسلامية الكبرى التي تشيّد في مواجهة البحر مباشرة، بعد أن كان المسلمون يفضّلون المدن الداخلية تخوفاً من الغارات البحرية، وكان لهذا الخيار تبعات على مستوى التخطيط لتشييد المدينة ومبانيها الأساسية.

المساهمون