مفكرة المترجم: مع شكير نصر الدين

مفكرة المترجم: مع شكير نصر الدين

31 يناير 2018
(شكير نصر الدين)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
أوّل الأمر كانت ترجمة خاصة، لا تتجاوز نقل مقاطع من نصوص كنت أودّ لو أني من كتبها أصلاً، لم تكن هذه الترجمة للنشر، ربما كانت إلى جانب خواطر شعرية ونثرية في صميم التكوين الذاتي الذي يمرّ منه، بالقوة، كل محب للأدب في فِتاء سنِّه؛ أما الترجمة بالفعل فجاءت في خضم ما عرفه المشهد الثقافي المغربي من صحوة زمن ثمانينيات القرن الماضي، في النقد وفي الترجمة، إذ كانت الملاحق الثقافية الكبرى آنذاك حاملة لواء التجديد في هذا المجال، وانخرطتُ في هذا الحراك وأنا في بداية الدراسة الجامعية.


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
آخرها رواية "استسلام" للكاتب الفرنسي ميشيل ويلبيك، وأنا مستغرق في وضع اللمسات الأخيرة على ترجمة رواية فرنسية لكاتبة من أصل آسيوي، سوف أترك كشف عنوانها واسم صاحبتها عند نشرها طبعاً، احتراماً للناشر.


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
قد نقلب السؤال: هل هناك عقبات في وجه المترجم العربي؟ وإن وُجدت ما الذي يجعله لا يتخطاها؟ إذا وقف المترجم عند العقبات، مثل غيره في أي مجال، لن يصنع شيئاً، سوف يظل ملازماً مكانه، في انتظار أن يأتي من يمهّد له الطريق. بعبارة أخرى، لا أؤمن بالمعونات والمساعدات والجوائز وغيرها من الأمور التي يعلَّق عليها العجز. أما عن العقبات التي تخصّ عملية الترجمة، من منظور أسلوبي، تقني، معجمي، إلخ، فهذا موضوع قد يتوسّع فيه المترجم، قد يتفق فيه مع غيره أو يختلف.


■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
عطفاً على ما سبق، هذا مظهر من المظاهر التقنية أو الفنية في عملية الترجمة التي تقبل النقاش؛ شخصياً لستُ ضد وجود محرّر سواء ينقح نصوصي أو نصوص غيري، فالمحرّر يجب أن ينقح نص كل كاتب، ليس المترجم فحسب، لكن للأسف هذا تقليد لم يعد موجوداً عند الناشر العربي، إلا لماماً.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
العلاقة مع الناشر تختلف حسب سمعة هذا وذاك. والحمد لله أن علاقاتي مع كل الناشرين الذين عملت أو أعمل معهم جيدة، ما عدا واحد لن أشرّفه بذكر اسمه، فهو سيعرف نفسه، ويعرف سبب جلبه عدم الرضا. عموماً، فأنا سعيد بما يقترحه علي صديقي الناشر خالد المعالي من عناوين، كما أني اقترحت عليه وعلى غيره في السابق عناوين وحظيت بالقبول. هذا لا يعني أني أقبل كل اقتراح، إذا كان النص المقترح بعيداً عن مجال اهتمامي: النقد الأدبي، الرواية، الفلسفة مثلاً، أستسمح عندها الناشر وقد أقترح عليه مترجماً في المجال.


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
بالمعنى الواسع، بل والفضفاض، هناك دوماً حمولة سياسية في النصوص الروائية وغيرها. لكن بالمعنى الضيق، لا أشغل نفسي بالتوظيف السياسي لهذا النص أو ذاك، حتى ولو لم يكن موضوعاً أو مقترحاً للترجمة. النصوص السياسية الخالصة لها أصحابها، كتابة ونقداً وترجمةً. مثال على ذلك، رواية "استسلام" لـ ويلبيك، رغم ما قيل عنها إبان صدورها في بلدها الأصل، قبلتُ ترجمتها، وبعد الفراغ منها، وحتى بعد صدورها بالعربية، نجد أن الناس تقرأ الرواية من "خارج النص"، أي مما قاله الإعلام الفرنسي، والسياق السياسي الذي واكب صدورها. فالناس تنسى النص وتهتم بما قيل حوله.


■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
العلاقة لا شك أدبية، فنية، جمالية؛ لقد ترجمتُ نصوصاً مات أصحابها منذ زمن بعيد (لويس كارول، ميخائيل باختين، رولان بارت، ميشيل فوكو وغيرهم) وهناك طبعاً أسماء على قيد الحياة. وحده جيلبير سينويه من تربطني به علاقة افتراضية، نتبادل بعض التعليقات والرسائل عبر الإنترنت إذ لم أتشرف بلقائه مباشرة. أما الكاتب الذي ربطتني به علاقة تتخطى المفهوم الزمني والمكاني فهو المفكر الروسي ميخائيل باختين الذي رافقته عبر كتبه منذ فترة أكثر من ثلاثين سنة. ولعل هذا النوع من العلاقة هو المثمر فعلاً، وجداناً و فكراً.


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
الكاتب كيفما كان اليوم، يقرأ بلغات أخرى غير اللغة التي يكتب وينشر بها، وبالتالي فهو مترجم بالقوة إلى حد ما، حيث يعيد توظيف ما قرأه، أدرك ذلك أم لم يدركه؛ شخصياً وأنا أترجم أستفيد مما اطلعت عليه قراءة ونقداً، لأن المترجم هو قارئ جيد، أو هكذا أتصوّره. لا أعني بذلك القراءة الكمية، بل النوعية والمتنوعة، التي تنقّي النصوص، الجيد منها والرديء. ليس هناك انفصام، بل تكامل، إذ في المرحلة الأخيرة من الترجمة، قبل النشر، على المترجم أن يتصرّف وكأنه كاتب النص، وإن لم يكن له ذلك الحق، قانوناً، فهو حق وعهد أخلاقي مع القارئ، أن يضع بين يديه نصاً وكأنه كُتب في لغته.


■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
الجوائز لها مكانها باعتبارها آلية ثقافية ترتبط بمؤسسة أو منظمة أو دولة ما؛ وعليه لا أرى فائدة في الحكم عليها، ضدها أو معها. العيب ليس في الجوائز، بل في من يكتب أو يترجم، أحياناً قبل الشروع في ذلك، يضع نصب عينه هذه الجائزة أو تلك. وهذا ما ابتلينا به في الآونة الأخيرة، إذ بالنظر إلى القيمة المالية المغرية، أصبح الكاتب والمترجم "صيّاد جوائز"، يهتم بمعايير الجائزة أكثر منه بمعايير الذوق الفني والجمالي.


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
واقع الترجمة مثل باقي المجالات في المجتمع والاقتصاد والسياسة، وغيرها. نحن بلدان تأخرت في هذه المجالات، وتبعاً لذلك حال الترجمة لا يمكن عزلها عن الكل؛ هناك بالتأكيد مؤسسات تُعنى بالترجمة، وعلى قلتها، فهي تقوم بالسعي لتدارك التخلف، مع أقرب البلدان الغربية إلينا. ما ينقص هذه المؤسسات، هو الاستقلالية، لو كانت مستقلة بما فيه الكفاية، لكانت تستند إلى حكامة جيدة بعيداً عن البيروقراطية وتبادل المصالح الضيقة. المترجم وحيدُ عمله، يترجم ولا ينبغي أن ينتظر دعماً أو معونة.


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
أولها الأمانة الأخلاقية. أنا ضد العبارة البالية التي لم تعد تقول شيئاً من فرط استعمالها، وأقصد "المترجم خائن" traduttore,traditore. الأمانة باعتبار النص الذي أشتغل عليه سوف أقدمه للقارئ دون حذف أو نقص أو تأويل مغرض؛ ثانيها الجمالية، أن يكون النص المقدّم للقارئ العربي جميلاً، من حيث التركيب والمعجم والأسلوب، أي أن لا أكتفي بنقل علامات تكتب من اليسار إلى مثيلة لها تكتب من اليمين؛ وثالثها، نقدية، إذ وأنا أترجم النص أتصوّر أني أتوجّه إلى قارئ لا يعرف اللغة التي أترجم منها، وفي الآن نفسه، يجيد هذه اللغة، بل أتصوّر أن ترجمتي، وهذا أمر واقع، يتلقاها نقاد ومترجمون، أتقيَّد بهذه القواعد، التي جاءت عن صحبة ترقى إلى أكثر من ثلاثة عقود من الترجمة، بما فيها وما عليها.


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
لم أندم على نص أو كتاب ترجمته، بل ندمت على كتاب ترجمته منذ سنوات كثيرة وترددت في تقديمه للناشرين، وحدث أن تُرجم ونشر الكتاب بقلم مترجم آخر. وما ندمت عليه أكثر هو التعامل مع كُتُبِيّ أصبح ناشراً، مع الاحترام الواجب للكتبيين وهو على الأصح ناشر بالمنشار.


■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
أن تتنوّع الترجمات وفق اللغات المنبع، أصبحنا نقرأ الآن روايات مترجمة من الإيطالية والتركية والفارسية والتشيكية، هذا جميل؛ حلمي أن يمد الله في العمر لأترجم كتباً نقدية أرى أن النقد في حاجة إليها، لأهميتها، مع الاستمرار طبعاً في الاشتغال على ترجمة الروايات التي نراها جديرة بذلك.


بطاقة

ناقد أدبي ومترجم مغربي. من أبرز ترجماته ثلاثة أعمال للمفكر الروسي ميخائيل باختين، هي: "جمالية الإبداع اللفظي" و"الفرويدية" و"أعمال فرانسوا رابليه والثقافة الشعبية في العصر الوسيط وإبان عصر النهضة"، كما ترجم من الأعمال التنظيرية في الأدب؛ "القراءة" لـ فانسون جوف (ترجمة مشتركة مع محمد آيت لعميم)، و"النقد الأدبي" لـ جيروم روجي. وفي الرواية، ترجم: "صمت الآلهة" و"الملكة المصلوبة" لـ جلبير سينويه، و"أليس في بلاد العجائب" لـ لويس كارول و"فتاة من ورق" لـ غيوم ميسو، و"الأيادي الموهوبة" لـ كاميلا لاكبيرغ، وآخرها رواية "استسلام" لـ ميشيل ويلبيك. كما صدر له كتاب "أبحاث نقدية، في الرواية والقصة والشعر".


دلالات

المساهمون