هذا الاستنتاج الحزين

هذا الاستنتاج الحزين

26 يناير 2018
رافع الناصريِِِ/ العراق
+ الخط -

حدث ذلك ذات عصريّة من آب، حيث تعوّد الفتى الجلوس مع الأم على عتبة الدار، للاسترواح.

مرّ "الواوي" (وكان أشهر بائع ذُرة مشويّة في مخيم خانيونس: شيخ ناحل لا يفتأ يتجوّل يومياً طاوياً المسافات، كيما يُنفّق فرْشَه).

مرّ وصدح بجملته المحفوظة المنغّمة: "إدرا.. إدرا السخنة السخنة.. خلّي اعتمادك على الله".
وككثيرين غيره، لم يكن بمقدور الفتى شراء نصف كوز من الذرة الذهبية ذات الرائحة المُفحفحة، لكن كان بمقدوره أن يفكّر طويلاً في الدعوة، التي هي عماد ثقافة وأسلوب عيش (وهل ثمة غيرها كملاذٍ وملجإ؟).

ظلّ صداها يترجّع في ذاكرته كلما جدّت مصيبة.

وهكذا:

في سن السابعة عشرة، وبسببٍ من جدل الموضوعي والمقروء ـ وبينهما خلوة وتأمل جزيل ـ توصّل الفتى تحت شجرة أكاسيا كبيرة في الأحراش، إلى هذا الاستنتاج الحزين: لا يمكن.

منذ ذلك الحين، قبل 45 عاماً وإلى هذا الأوان، ما يزال الفتى مؤمناً بشكل عقلاني بذلك الاستنتاج، لكنه عاطفياً ـ كلما دقّ الكوز بالجرّة، وضاقت على رحبها ـ ينكص فيتراجع مؤقتاً ريثما يمرّ الويل، وما إن ينجو من الغرق ويتحسّس أعضاءه وقد نقصت، حتى يعود ويكررها:
لا يمكن أبداً.

هذا ببساطة هو الحال: إنه غير فاعل تاريخياً، سواء عندهم أو عند غيرهم.

وخلاصة كهذه لا يظنّها الفتى هذياناً آخَرَ لا موازٍ له في العالم، بل هي حقيقة أرضية من النوع اليومي والأفقي.

يعرف: عندما لا كتف حميمة في الأوقات الصعبة، إلا تلك المفترَضَة عمودياً (وجدَ صعوبة في كبح ابتسامة وهو يصف هذه الكتف)، فليس أمامك إلّاه.

خاصة وأنه حيثما ولّيت، في هذا الكوكب الشاسع، ما من وجبات طعام ولا سقوف بالمجان.
كما لا هدايا أيضاً.

ليته كان كما تصوّر "الواوي"، لا الفتى.

المساهمون