"المحاكمة": مسرحية مصرية ناقصة

"المحاكمة": مسرحية مصرية ناقصة

17 مارس 2017
(من المسرحية)
+ الخط -
حين كتب المسرحيان جيروم لورنس وروبرت إدوين لي عملهما "ميراث الريح" في أميركا عام 1955، كان الهدف مسرحة المحاكمات المكارثية؛ تلك التي عاشها مثقفون وفنانون وكتّاب في أميركا تحت ضغط واضطهاد سياسي كبيرين بين 1947 و1956.

المخرج المصري طارق الدويري عاد إلى النص الأميركي وأعدّه في عمل بعنوان "المحاكمة"، يُعرض حالياً على "المسرح القومي" في القاهرة ويتواصل حتى نهاية الشهر الجاري.

يوحي العنوان للوهلة الأولى بعمل كافكا الأشهر. صحيح أن أجواء "محاكمة" كافكا سبقت المكارثية ولكنها لا تبتعد كثيراً عنها، لذلك ليس بعيداً أن المخرج استلهم مع "ميراث الريح" أيضاً أجواء "المحاكمة" الكافكوية.

لكن الدويري كان حذراً وهو يتعامل مع نص جريء وموضوع خطر، فبدلاً من التطرّق إلى الواقع السياسي المصري اليوم، اختار المخرج مناقشة موضوع لا يقل أهمية وهو كيف يتمّ استغلال الدين.

يبتكر الدويري "المدينة السماوية" التي تدور فيها أحداث العمل، وفيها لا يعرف الناس من الدين سوى العموميات، لذلك يكون من السهل التلاعب والتحكم بهم.

يعيدنا الدويري أيضاً إلى أجواء محاكمة سقراط، فتبدأ الحكاية مع معلّم يطلب من تلاميذه محاولة الإجابة عن أسئلة تتعلق بالوجود والكون، وحين تصل أخبار المعلم إلى "المحترم" و"الفاضل" يجري تحويله إلى المحاكمة.

وبنفس طريقة سقراط التي يكشف فيها جهل من يقابله من خلال الاستدراج بالأسئلة البديهية التي تبدو ساذجة، يكشف محامي المعلم للناس جهلهم.

الأعمال الكبيرة السابقة التي استلهمها العرض لا تنتهي نهاية سعيدة ساذجة ولا متفائلة، بعكس عرض الدويري الذي اختار له خاتمة متفائلة؛ فالمحامي يُحرج الجهة التي تمارس المحاكمة بقلة معرفتها بالدين، ويبدأ حضور المحاكمة/ الشعب، بإدراك جهلهم بحقيقة الدين واستغلال هذا الجهل ضدّهم. تبدو المسرحية وكأن نهايةً تنقصها، ويبدو النص كما لو كان مقشّراً بعد أن تم تفريغه من السياسة، وهذا خيار متوقع لمن أراد أن يشتغل مسرحاً ضمن المؤسسة الرسمية.

المساهمون