جيشنا العظيم يا حبيبتي

جيشنا العظيم يا حبيبتي

20 أكتوبر 2017
(جدارية بشارع "محمد محمود"/ القاهرة)
+ الخط -

ظلّت الجيوش العربية من بين أكثر المحرّمات والمحظورات خفاء في الكتابة العربية، وقد استطاعت، إلى جانب ذلك، أن ترفع جدار الحماية حول نفسها، أكثر من أي محرّم عربي آخر، بما في ذلك الدين نفسه. وتعمدت الأنظمة العربية الحاكمة أن تحيّد الجيش، وترفع اسمه من التداول النقدي. وراح الإعلام الرسمي يتغنّى بهذه المؤسسة في كل الأدوار التي تنقلب إليها السلطات الحاكمة. فالجيش شبه مقدّس في أي نظام سياسي عربي مهما اختلف شكل الحكم أو مضمونه.

كأن الجيش لا يتغيّر البتة، لا في بنيته وعقائده، من جهة، ولا في الخطاب الإعلامي والسياسي الخاص به، من جهة ثانية. بينما هو في الحقيقة كان في حالة تبدّل دائمة، سواء في تركيبته البشرية أو العقائدية، أو في ولاءاته السياسية. ولكن الرقابة تمحو تلك التباينات حين يجري الكلام عن ممارسات الجيش في مرحلة غير المرحلة الراهنة. وحينئذ يبدو الجيش عابرا للزمن السياسي.

وفي حال السماح بالكتابة عن الجيش، فإن على الكاتب أن يمتدحه، ويشيد بإنجازاته، ويمتنع عن الاقتراب من التفاصيل التي تحكم بنيته ووجوده وعلاقته بالحكم وبالشعب.

واللافت في الأمر أن الأوامر تلزم الشعب بتمجيد الجيش في النص الكتابي، دون أن تكون قادرة على لجم الشفوي. وهنا يعرف الجميع حجم التناقض بين القول الشفوي الذي تتناقله الأحاديث عن ممارسات الجيوش العربية، والقول الكتابي الملزم بالتمجيد حصرا.

والمفارقة أن الجيش لا يلتزم باحترام الشعب، أو يسمح بوضع قوانين لمحاسبته. فيما تدّعي السياسات أنه يدافع عن الوطن. وغالبا ما يتم الفصل بين الشعب والجيش في الأوطان العربية، إذ يبدو الوطن مجرد جغرافية حدودية تقطنها مجموعات من البشر، تطبق عليها القوانين، وجيش يقف فوق الجميع بلا حساب.

وإذا كانت الرواية العربية قد اختارت الصمت، وأدارت ظهرها لهذا الموضوع، إذ من الصعب أن تقبل أي دولة عربية بوجود رواية مثل رواية فارغاس يوسا "بانتاليون والزائرات". فإن الشعر آثر أن يشارك في أعراس امتداح الجيوش، وحساب "فضائلها العظيمة" على الحياة العربية. المفارقة التي يقدمها الشعر العربي الحديث، أن كثيرا من شعرائه كتبوا مدائح لجيوش، لا تنجم عن حقائق واقعية، وأن تلك المدائح تنتمي إلى روح القصيدة العمودية في زمن مدائح البلاط.

وقد بدا الجيش، لدى بعض الشعراء العرب، كأنما هو الذي يقود حركة التغيير المنشودة في الحياة العربية، ويحقق القيم التي كانت تسعى إليها حركة التحرر العربي. وأمكن لشاعر مثل عبد الوهاب البياتي، أن يحول الممارسة العسكرية إلى منارة خلاص وتحرير. "فجيشنا العظيم/ يا حبيبتي/ حطمها/ وسار/ يعانق الشعب كما يعانق التيار/ شواطئ البحار". والجيش في رأي شاعر آخر " مملكة الشرفاء". أو أن الجنود جميعا هم " فرسان البطولات".

يروي أحد كتّاب القصة أن الرقابة منعت إحدى قصصه من النشر لأنها تتحدث عن هزيمة الجيش في الحرب، فقال لهم، لكنه هزم فعلا، فرد الرقيب: "يمكن أن يهزم الجيش في الواقع، ولكن يجب ألا يُهزم في القصة".

المساهمون