رحيل حسن شريف: تجريب حتّى النهاية

رحيل حسن شريف: تجريب حتّى النهاية

19 سبتمبر 2016
(تصوير: مازيار صدر)
+ الخط -

بعد مسيرة تشكيلية تجاوزت الأربعة عقود، رحل، أمس في دبي، الفنان التشكيلي الإماراتي حسن شريف (1951 - 2016) الذي يُعدّ أحد أبرز تشكيليّي بلاده، وصاحب تجربة متعدّدة بدأها بالكاريكاتير فالفن التشكيلي والنقد وتأسيس مراكز ثقافية لتعليم الفن التشكيلي وتعميق الحوار حوله.

ابن صانع الحلوى كان يتلذّذ في طفولته وهو يراقب والده يعدّ القوالب متعدّدة الأشكال والأحجام، كأنه "يرسم بالعجين"، كما روى في إحدى حواراته الصحفية التي روى فيها كيف كان يحفّ بقطع المعدن آثار أيادٍ علقت على الباب، راسماً أولى وجوهه وكائناته.

وُلد شريف في جزيرة صغيرة في الخليج العربي تُسمّى لنجة، ربما لن يسمع أحد باسمها إلاً مقروناً باسمه. وهناك في بيت العائلة، كانت والدته تطرّز الثياب وتنسج عليها حبّات الفضّة، ويبدو أن ذاكرته البصرية المبكّرة بين الحلوى والأزياء أخّرت تعلمّه اللغة العربية حتى السابعة من عمره، حين أتت به أمّه إلى مدرسة ابتدائية في دبي.

هناك في المدرسة، كان يلهو برسم الشخصيات والمعالم الأثرية وأعضاء جسم الإنسان والحيوانات، لينال تشجيع معلّمي التاريخ والعلوم من دون أن يجد تفسيراً لشغفه بالرسم، واللون بالدرجة الأولى، حتى وقعت عيناه على كتاب بالإنكليزية حول مدارس الفن في ستينيات القرن الماضي، ليتعرف حينها على سيزان وكوخ وبيكاسو، ويرى للمرّة الأولى في حياته أعمالاً فنية؛ انطباعية وتعبيرية.

بدأ برسم الطبيعة والبورتريه عندما تتلمذ على يدي أحد المدرّسين الذي حوّل مستودعاً لتصليح السيارات إلى ورشة لتعيلم الرسم. وفي الفترة نفسها، عمل في مجلاّت محلّية رسّامَ كاريكاتير، إلى أن شارك في معرض جماعي نظّمته وزارة الشباب في منتصف السبعينيات، ليجري اختياره بعدها للعمل في الوزارة حتى تقاعده منها عام 1999.

التحق بـ "مدرسة بيام شو للفنون" في لندن لدراسة الفنون الجميلة التحضيرية، ليعود إلى وطنه محمّلاً بالأمنيات والوعود، وتنطلق بعدها رحلة نجاحاته واغتراباته التي طالما أحس بها كفنان يقدّم أعمالاً مفاهيمة وسط ثقافة لم تتقبّل هذا النوع من الفن.

كان حضور شريف بارزاً وأساسياً في مشهد تشكيلي إماراتي ناشئ، وقد اختار عزلة شبه كاملة كرّس خلالها أيامه للرسم وإقامة معارض في بلده وخارجه، كما أصدر مؤلّفات عدّة؛ من بينها: "الفن الجديد"، و"آلات حادّة لصنع الفن".

وارى بعضاً من تمرّده في سنوات لاحقة، هو الذي أقام أوّل معرض للوحاته قبل أربعين عاماً في سوق، بلا تنظيم مسبق، ليُزال خلال ساعات، وهو من ساهم في تأسيس مجموعة "الخمسة" للفن المفاهيمي مع محمد كاظم ومحمد أحمد ابراهيم وعبد الله السعدي، إذ اكتفى بالاشتغال على لوحاته وأعماله التركيبية، والتعبير عن آرائه الجريئة في الصحافة بين حين وآخر.

رحل حسن شريف بتكريمات وألقاب عديدة؛ "الأب الروحي للفنون في الإمارات"، و"خيميائي الفن"، وأحد أبرز المؤسّسين للتشكيل الذين واصلوا تجريبهم حتى النهاية.

المساهمون