"مهرجان الموسيقى السطايفية": في أثر الصراوي

"مهرجان الموسيقى السطايفية": في أثر الصراوي

13 يوليو 2016
(صورة أرشيفية لمدينة سطيف)
+ الخط -

يُعدّ "الصراوي" أحدَ أبرز أشكال التراث الشعبي في محافظة سطيف، شرقي الجزائر، وهو نمطٌ غنائي، يُشبه المواويل الشرقية، ويعتمد أساساً على قوّة خامات الصوت ورخامته، وكان يُؤدّى في الأفراح والمناسبات الدينية والمواسم الزراعية، متناولاً موضوعاتٍ مثل الثورة والوطن والحب والمديح النبوي.

يعتقد بعض الباحثين بأن كلمة "الصراوي" اشتُقّت من شجرة السرو المنتشرة في المنطقة، بينما يذهب آخرون إلى أنها جاءت من "الصرو"، التي تعني في اللهجة السطايفية قمّة الجبل؛ إذ ارتبط هذا الفن بالأسر المحافظة في المناطق الريفية (الجبلية)، وكان المؤدّي يقيس قوّة صوته بارتداد صداه في الجبال.

وإن كان أصل التسمية يشكّل نقطة اختلاف بين من أرّخوا لهذا الفن الشعبي، فإن ثمّة إجماعٌ بأنه كان فنّاً نسوياً في بداياته التي تعود إلى أربعينيات القرن الماضي. ويبدو من ارتباطه بالمرأة، وبالبيئة المحافظة أسلوباً فنّياً لجأت إليه النسوة للتعبير، سواءً عن مشاعرهن المكبوتة، أو عن شظف العيش وقواته، أو عن كليهما معاً.

شهد "الصراوي" محطّات عدّة ارتبطت بالحياة اليومية في سطيف أو بالأحداث الكبيرة التي ألقت بظلالها على الكلمات والألحان وطريقة تأديته؛ من بينها "مجازر الثامن من أيار/ مايو 1945"، التي راح ضحيتها قرابة 45 ألف قتيل على يد الاستعمار الفرنسي، وأيضاً الاستقلال عام 1962.

اليوم، ومع التطوّر الكبير الذي عرفته الموسيقى محلّياً وعالمياً، لا يزال هذا النمط يحظى بمكان خاص في سطيف، بل إن التعامل معه يجري بنوعٍ من القداسة. يكفي أن تُطلق إحدى المتقدّمات في السن العنان لحنجرتها حتى يصيخ الجميع السمع، من دون أن يُقاطعها أحد، حتى تكمل الغناء.

مع ذلك، فإن "الصراوي" تحوّل من حالة فنية يومية، إلى حالة تراثية، أو "فولكلورية"، بتعبير أدق، وأصبح حضوره مقتصراً على الأفراح، أو بعض المهرجانات والتظاهرات الثقافية التي تحاول الحفاظ عليه من الاندثار.

من بين تلك التظاهرات، "المهرجان المحلّي للموسيقى السطايفية"، الذي تتواصل فعاليات دورته التاسعة في "دار الثقافة هوّاري بومدين" في سطيف، حتى السادس عشر من تمّوز يوليو الجاري، بمشاركة فنّانين يؤدّون "الأغنية السطايفية"، التي تُعدّ بمثابة "الوريث الشرعي" للغناء "الصرواي"، من دون أن يعني ذلك بالضرورة أنها ظلّت وفية له تماماً؛ إذ اتّسعت بحيثُ أصبحت تشمل طبوعاً وأنواعاً مختلفة، شأنها في ذلك شأن "موسيقى الراي" الحالية، التي تعُد تشبه موسيقى الراي الأصلية في الغرب الجزائري في شيء.

افتُتحت التظاهرة التي تنظّمها "تعاونية الفن السابع لمدينة سطيف"، ليلة أمس، بعرض موسيقي يحمل عنوان "لحن عامر زمان". العملُ الذي كتبه الطيب قتّال وأخرجه عيسى جرّار وأدّاه ثمانية فنّانين شباب، يستعيد عدداً من الأسماء الموسيقية الجزائرية الراحلة، من خلال إعادة أغانيهم؛ من بينهم سمير السطايفي (مول الشاش)، ومختار مزهود (الصحّة يا الصحّة)، ونور الدين السطايفي (يا الصحة).

كما تضمّنت الليلة الأولى فقرةً أدّت فيها "فرقة الوئام" أغاني سطايفية، بآلات تقليدية؛ مثل القصبة والبندير، مرفقةً بلوحات من الرقص التقليدي.

وبحسب، محافظ المهرجان، عريبي زيتوني، في كلمة الافتتاح، فإن الهدف من التظاهرة يتمثّل في "الحفاظ على الأغنية السطايفية المستوحاة من التراث الصراوي وتعريف الأجيال الجديدة بهذا النوع الغنائي"، مضيافً أن من شأن التظاهرة "اكتشاف شباب موهوبين وتشجيعهم حفاظاً على هذا الموروث الثقافي".

تُنظَّم على هامش هذه التظاهرة دورات تدريبية لفائدة الشباب المشاركين، ومحاضرات موجّهة للمهتمين بهذا النوع من الغناء، إضافة إلى تكريم عدد من الأسماء الفنية. أمّا لجنة التحكيم فتتكوّن من خمسة موسيقيين وأكاديميين يُشرفون على اختيار فائز واحد من بين 14 مشاركاً في هذه الدورة.

دلالات

المساهمون