"مؤتمر الدراسات التاريخية": استعادة المطموس

"مؤتمر الدراسات التاريخية": استعادة المطموس

24 ابريل 2016
(من المؤتمر)
+ الخط -

اختتمت مساء اليوم، في بيروت، أعمال "المؤتمر السنوي الثالث للدراسات التاريخية"، الذي ينظّمه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، وتناول هذا العام، على مدار ثلاثة أيام، موضوع "التأريخ العربي وتاريخ العرب: كيف كُتب تاريخ العرب؟ وكيف يُكتب؟ الإجابات الممكنة".

خُصّص اليوم للمحور الثالث من الملتقى: "الذاكرة والتاريخ وحقل المنبوذ والمطموس"، الذي توزّع على ثلاث جلسات؛ الأولى، رأسها ناصر الدين سعيدوني وتضمّ أوراقاً حول "الإستغرافيا المعاصرة بين التاريخ والذاكرة: المغرب نموذجا" لـ عبد العزيز الطاهري، و"كتابة التاريخ في الجزائر: بين إحياء الذاكرة والبحث الأكاديمي" لـ مسعود ديلمي، و"الميثيولوجيا والتاريخ، نماذج للتحليل والاختبار" لـ يحيى بولحية، و"السير الشعبية العربية مصدراً لقراءة تاريخ الفتح الإسلامي لمصر" لـ عمرو عبد العزيز منير".

أشار الطاهري إلى أن الكتابة التاريخية الأكاديمية المغربية في عمومها كانت متأثرة بمدرسة الحوليات و"التاريخ الجديد"، من خلال التركيز على دراسة البنيات والآماد الطويلة عوض الأحداث السياسية والعسكرية القصيرة الأمد، وعلى التاريخ الإشكالي عوض التاريخ السردي، وعلى التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والذهني عوض السياسي، واستفادتها من العلوم الإنسانية.

من جهته، تناول بولحية في دراسته علاقة الميثولوجيا بالتاريخ؛ فالميثولوجيا تاريخ متخيل وبالتالي ليست مجرد مجموعة أخبار تاريخية، إنما تعبير عن النظرة الدينية إلى العالم، كما تقدم تاريخاً مشحوناً بالعواطف والتوترات الاجتماعية.

أما منير فألقى الضوء في دراسته على بؤر جديدة لم تنتبه إليها المصادر التاريخية التقليدية، إذ عكست رؤية الوجدان الشعبي الجماعي لصورة الآخر من المنظور الديني.

الجلسة الثانية ترأّسها محمد الطاهر المنصوري، وضمّت أوراقاً حول "تاريخ المهمّشين في الإسلام المبكر" لـ محمد حمزة، و"نحو مداخل منهجية وأدوات جديدة لتأرخة المطموس" لـ محاسن عبد الجليل، و"ابن خلدون في خطاب الهوية السودانية" لـ عبد الله علي إبراهيم، و"الواقعية في تقاطع المنظورات" لـ عبد العزيز لبيب.

نبّه حمزة إلى أن الكتابة التاريخية ضخّمت دور بعض الصحابة بالتركيز على ما أنجزوه أو بإسناد فضائل أو أعمال لا يمكن للمؤرّخ المتسلح بالمنهجية الصارمة أن يسلّم بها، بينما انتقد إبراهيم في دراسته نص ابن خلدون في ضوء المعارف التاريخية والأنثروبولوجية والنفسانية المتراكمة.

لبيب خلص إلى أن هجرات القبائل العربية إلى بلاد أفريقيا في القرن الحادي عشر لم تكن حدثاً في التاريخ السياسي فحسب، بل أيضاً واقعة ديموغرافية هائلة على صعيد نمط العيش واللسان والعالم الرمزي، أحدثت في شمال أفريقيا تبدلاً بنيوياً.

تناولت محاسن عبد الجليل مسألة الطمس، الذي يعبّر عنه من خلال النبذ واقصاء من خلال ثلاث حالات؛ الحالة الأولى، المرض العضوي (الجدري والجزام مثالاً)، أو الجنون، وكيف تتطوّر التمثيلات الاجتماعية حولهما منتجة لسياق حاضن للمحو وإخفاء الشاهد، والحالة الثانية من الإقصاء أولئك المحتمون بالأضرحة والمراكز الصوفية، من النسوة والرجال المبعدين والمغضوب عليهم، وكيف تتشكل خلال سيرتهم ملامح لبنية الطمس، وكيف يرتسم الـ"تابو" عصيًا على التجاوز، الحالة الثالثة من النبد والإقصاء: تاريخ الرق وعلى نحو التخصيص علاقات ما بعد الرق، فحيث يصم الرق الأحفاد، ويصير إنكاره ودفعه وسيلة لمحو الماضي، وقبر شواهده.

الجلسة الأخيرة ترأّستها زهيدة درويش، وضمّت أربع أوراق؛ هي: "العلوم العربية والمركزية الأوروبية الجديدة" لـ سامر عكاش، و"في كتابة الديموغرافيا التاريخية وتاريخ الأمراض والطب" لـ حسين بوجرة، و"منعطف الأنثرولولوجيا التاريخية في المغرب" لـ عبد الواحد المكني. ويُختتم الملتقى بمحاضرة لـ أحمد دلال عنوانها "في إشكالية التأريخ العربي للعلوم".

عكاش تطرّق إلى هاجس التهميش الغربي الذي مورس ضد الروايات التاريخية العربية. هذه المركزية الغربية جرى الرد عليها بعملية تأريخ جعلت هاجسها الرد على تجاهل الرواية الغربية لمساهمات العرب العلمية والإبداعية ما أنقص قيمتها العلمية.

وفي كلمته، تحدّث بوجرة عن ضرورة الانفتاح على مصادر تاريخية إضافية، وعدم الاكتفاء بمصادر الإخباريين والمؤرخين، مشيراً إلى أن الخزائن العامة والخاصة في بلاد المغارب تزخر بالكتابات المصدرية المتعدّدة والمتنوعة. ومن جانب آخر يشير إلى أن الجمود الفكري والتشدد المذهبي والديني يضاعف الإقصاء والطمس لذلك لا بد من مناخ أكثر تسامحاً لكتابة التاريخ.

أما المكني فتحدّث عن "المنعطف الأنثروبولوجي" الذي عرفته الدراسات التارخية والتي باتت أكثر قدرة على دراسة الذهنيات والأفكار ومنها الخوض في حقول التصوّف والكرامة ودراسة ظواهر السحر والشعوذة والتطيّر وتأثيرها في ثقافة المجتمعات، وتاريخ العائلة والحياة الأسرية وعلاقات الزواج وظواهر الطلاق، وتاريخ الأوبئة والجوائح والمجاعات.

المحاضرة الختامية كانت بعنوان "إشكالية التأريخ العربي لثقافة العلوم" وقدّمها أحمد دلال، والذي يرى أن "سؤال الانحطاط هيمن على سائر أسئلة التأريخ"، وبذلك جرى النظر إلى ثمانية قرون من الانتاج العلمي عبر عدسة الانحطاط الذي حل بها في نهاية سياقها التاريخي. ويكمن الخلل بحسب دلال في عزو الانحطاط إلى مزايا ثقافية ومعرفية ثابتة، عوضاً عن تحليل الانحطاط نفسه كنتاج لعوامل تاريخية مختلفة، وكظاهرة عرضية للتاريخ لا كمحرك هذا التاريخ.

المساهمون