سليمان المعمري: خذلان من تحارب لأجلهم

سليمان المعمري: خذلان من تحارب لأجلهم

21 ديسمبر 2016
حسن مير، من سلسلة "انعكاس من الذكريات"، 2009
+ الخط -

مرّ الكاتب العماني سليمان المعمري (1974) مؤخراً بتجربة سجن مريرة، لعلها جزء من قصة الصراع بين المثقف والسلطة بكافة أشكالها، والذي يعتبره المعمّري في حديثه مع "العربي الجديد" صراعاً "ليس متكافئاً".

بخصوص الحادثة الأخيرة، يجزم بمدى تأثير ذلك على مستوى الكتابة، وإن كان يعتقد أن الوقت ما زال مبكراً لمعرفة الآثار التي ربما تظهر على المستوى البعيد، لكنه يؤكّد أن "التجربة علمتني أنه من السهل أن تكتب عن الحرية وتطالب بها لك أو لغيرك، ولكن من الصعب أن تفقدها ولو لليلة واحدة، وأن كل ما قرأته في الكتب عن الحرية لا يساوي ليلة واحدة في زنزانة انفرادية".

يضيف المعمري "عندما خرجتُ وعرفتُ من وقف معي ومن وقف ضدّي، ومن آثر الصمت والنأي بنفسه، استعدتُ مقولة هنري ميلر (الأصدقاء الذين خذلوك يحلّ محلهم آخرون جدد يظهرون في اللحظة الحرجة، ومن أماكن لا تخطر على بالك).

كما يشير إلى أن التجربة علمته أيضاً "أن على المرء أن يكون واقعياً في أحلامه، وألا يطالب بأوضاع مثالية في واقع أبعد ما يكون عنها، وأن الذين تظن أنك تحارب من أجلهم هم أول من يخذلك في النهاية".

يعود بنا صاحب مجموعة "عبد الفتاح المنغلق الذي لا يحب التفاصيل" (2009) إلى بدايات مشواره في الكتابة منتصف التسعينيات، إذ يكشف عن أنه بدأ بمحاولات لكتابة الشعر، ويرى أن الأمر "طبيعي في بلد كعُمان يعرف فيه الشعر هيمنة طاغية على موروثها الثقافي لدرجة أن مقولة تتردّد بما يشبه اليقين أن وراء كل صخرة شاعر".

عن أوّل قصّة كتبها المعمري، يقول: "بينما كنت أحاول التعبير عن نفسي بقصائد أرى الآن أنها ساذجة وتفتقر إلى روح الشعر، حدث أن جرّبتُ القصة مرة، فنجحتُ، فأُدخِل في روعي أنها طريقي، مع العلم بأن القصة كانت ساذجة وتعبّر عن قصّة حب فاشلة، لكن أصدقاء ممن كنتُ أثق في رأيهم أُعجِبوا بلغة القصة وشجّعوني على كتابة قصص أخرى، ذلك أن ميزة القصة أنها تتيح لي ما لا يتيحه الشعر، إنها الحكاية وفقط، الحكاية لا كما حدثتْ، بل كما أريدها أن تحدث. بالقصة أعيد نسج علاقتي بالأشخاص والأشياء واللغة كما أشاء أنا لا كما تشاء هي".

وفي سؤال حول وقوعه هو والعديد من مجايليه من كتّاب القصة القصيرة في ما يعرف بـ "لعبة اللغة"، التي بدت أحياناً وكأنها لغة شاعرية بعيدة عن السرد كفنّ، يعترف المعمري بأنه وقع في "هذا الفخ" ويفسّر ذلك بالقول: "كنت متأثراً بالسائد إذ كانت اللغة هي بطلة القصة العُمانية خلال التسعينيات، لدرجة أنه لم تكد تخلو مجموعة أولى لقاصٍّ عُماني من هيمنة اللغة وطغيانها على الحدث وعناصر القص الأخرى".

ويتابع: "في الواقع أنا مارست لعبة اللغة، ثم حدث أن قرأتُ قصصاً يخرج الشعر من روحها لا من لغتها، جاء ذلك متزامناً مع تذمّر شديد من التهويمات اللغوية غير المفهومة التي تضجّ بها القصص العُمانية. قلتُ لنفسي: القصة ليست لغة فقط، بل أيضاً حكاية سلسة مُدهشة، تغوص في أعماق الشخصيات، وتعتني بالمكان والزمان، وغيرها من شروط القص".

ويستطرد صاحب "الأشياء أقرب مما تبدو في المرآة" (2007) في هذا السياق حول توظيفه الدارجة المحلية في قصصه، إذ يقول "كل نص سردي يفرض لغته الخاصة. هذا إذا سلّمنا بأن اللغة حالة وليست مجرّد كلمات منطوقة، بمعنى أنه سيكون أمراً متكلفاً أن تنطق أمٌّ كادحة أميّة في القصة بلغة مثقف".

جرّب المعمري الكتابة الروائية أيضاً، وعن تجربته في عمله "الذي لا يحب جمال عبد الناصر" (2013)، التي استخدم فيها تعدّد الأصوات يقول: "بصراحة، وبدون تحذلق دخلت عالم الرواية بالصدفة، بسبب حلاق بنغالي في القرية توفي عام 2012 كان اسمه شوزيت، فأدخلني موته هذا العالم، عالم الرواية، دون قرار أو تخطيط مسبق. حينها التمعت في رأسي فكرة: لم يكن شوزيت إلا واحداً من شخصيات مدهشة كثيرة عايشتُها وأعايشها كل يوم. ومن هنا جاءت فكرة روايتي الأولى وبطلها مصري يدعى بسيوني سلطان. كانت حكايات بسيوني تتناسل أثناء الكتابة، وهكذا حذفتُ تفاصيل وأضفتُ تفاصيل أخرى حتى لم يعد بسيوني سلطان الواقع هو نفسه بسيوني سلطان الخيال. وكان القرار أن يتحوّل البورتوريه السردي إلى رواية، أي أن الأمر برمّته حدث صدفة ولا علاقة له بـ (زمن الرواية) ولا الرغبة في دخول هذا الزمن".

عوالم المعمري ليست منحصرة في الكتابة، إذ إن لديه تجربة إعلامية، بدأت هي الأخرى من عشق عفويّ في طفولته للمذياع وصولاً إلى تجربته مع برنامج "القارئ الصغير". يعود بنا إلى مزرعة أبيه حين كان طفلاً يجمع ما يسّاقط من بلح النخيل ويصغي إلى المذياع، ويقول: "كانت الإذاعة مصدر تثقيفي الأول، قبل حتى أن أتعرف على الكتب، لأن الكتب لم تكن متوفرة كما الآن، في ذلك الوقت لم أكن أدرك أن الأقدار تعدّني لأكون إذاعياً".

يلقى برنامجه "القارىء الصغير" متابعة جيدة خصوصاً وأنه فضاء يكشف عن مواهب واعدة. يقول: "ما أبهجني أن جيلاً جديداً يتشكل، يدرك أهمية الثقافة والقراءة. أن يحرص طفل على قراءة خمسين كتاباً خلال سنة والكتابة عنها هو أمر غير معتاد بالنسبة إلي، وأن تحرص طفلة على التحدث بلغة عربية فصيحة هو أيضاً أمر غير معتاد. لذا لم أكن أعاملهم كقراء راشدين بالمعنى الحرفي للكلمة، بل كمشاريع قراءة مستقبلية بحاجة إلى الحث والتشجيع".

كما بدأت رحلة المعمري من قريته "الرَدّة" (تعني العودة في الدارجة المحلية)، يكشف عن أن عمله القادم سيكون عنها. يقول "الردة تسكنني منذ طفولتي، بشاطئها الساحر وقت الأصيل، وحواريها الملتوية كثعابين أليفة، وأزقتها المضمّخة برائحة الشمس، ببشرها وفراشاتها".

ويضيف "اليوم بعد نحو أربعين سنة أستطيع أن أزعم أنني كنتُ أحد شهود العيان على تحوّلات هذه القرية البعيدة، التي أضحت الآن مدينة شاسعة تغوي الناس، وتجذب الشجر والحجر، وتُلهم الشعراء. واليوم أصبحت الرَدّة مدينة كبيرة مكتفية بذاتها، وكان لذلك ضريبة طبعاً، وهو فقدانها بعض براءتها. كتابي يسرد حكاية علاقتي بهذه القرية/المدينة".

ـــــــــــــــــــــــــــــ
الكاتب وشبكة الإعلام
بحكم كونه إعلامياً، يجد سليمان المعمري، (الصورة)، نفسه في موقع يُقرّبه من شبكة واسعة من الكتّاب والمثقفين. لكنه يعي أن "الحضور الإعلامي ينبغي ألا يكون الشغل الشاغل للكاتب فيتحوّل إلى الشكل الرئيسي لحضوره الأدبي". كما يعترف بأنه "في واقعنا الثقافي العربي، يحظى الكاتب الذي ينتمي لفصيلة الإعلاميين أو الصحافيين بـ (دلال) لا ينافسه فيه إلا الكاتب الذي ينتمي لفصيلة (المسؤولين الثقافيين)".

المساهمون