تغيرتُ يا ستّي ولكن العالم لم يتغيّر

تغيرتُ يا ستّي ولكن العالم لم يتغيّر

22 نوفمبر 2016
(من الاحتفال بعيد فيروز أمس في بعلبك)
+ الخط -

قبل عقدين من الزمان تقريباً، كتبتُ أنا الفقير إلى صوتك رسالة إلى حضرتك البهية، نُشرت في إحدى الصحف، كتبتُ إليكِ من مَرَضٍ رسالة عاشقٍ مَرِضِ، كنت أيامها أشبه بمن يسقط في بئر ولا أحد يسمع صوته، كنت أبحث عن ملاذ، عند يد تأخذ بيدي.

لا العائلة يومها ولا الأصدقاء ولا البلد ولا الحب ولا حتى الشعر كان يمكن أن ينتشلني من فوضى البحث عن ذاتي، كنت غريباً عن ذاتي وعن الناس وعن الوجود، وكدت قاب قوسين أو أدنى أن أذهب إلى المصحة العقلية - واقعاً لا مجازاً- وحياتك يا ستي، فقد انفجر الوعي وصرت أمشي كالمشوّش أو كمن به مسٌّ.

وفجأة، قرّرت وبكل بساطة أن أكتب لك رسالة ساذجة، كمن يكتب إلى أكثر من حبيبة. أذكر أنني حدثتك في تلك الرسالة الغريبة والعجيبة عن القَبَلية والطائفية وموجة "حراس النوايا"، وعن صديق طفولتي الذي تبعهم وقلب القرية رأساً على عقب، تلك القرية الوادعة بين الجبال، والتي كان يرقص فيها الرجال والنساء على إيقاع طبل واحد، حولها بأفكاره المريضة إلى جلباب أسود فصارت مناحة، واختفت معها بقية الألوان بل والفراشات واليعاسيب والطيور وأغاني الحب والجمال والشقاوة والطفولة.

وأذكر أنني حدّثتك في تلك الرسالة الثملة أيضاً، عن الشعر والميلاد والموت وعن حبيبتي وعن نصيحة نيتشه حول الإنجاب: "إذا لم تساهم سلالتك في دفع البشرية إلى الأمام فلا داعي للإنجاب يا ولدي"، واعترفت لك بشطْح رامبوي أنني من سلالة مُنحطة فيمّمتُ بعيداً عن مؤسسة الزواج حتى تاريخه.

كنت أيامها فتى في العشرينات، والآن وقد جاوزت الأربعين، أجدني في ذكرى ميلادك الواحد والثمانين - متعك الله بالصحة والجمال - في حاجة شديدة لأن أكتب إليكِ مرة أخرى، وكم تمنّيت ألا تحمل رسالتي الثانية هذه نفس "هموم" الرسالة السابقة، حين حلمتُ بتغيير العالم واذ بالعالم يغيّرني إلى الأبد.

لقد تغيرت يا ستّي ولكن العالم - للأسف - لم يتغيّر ولم يصبح أفضل بل على العكس، عاد إلى الوراء قروناً وسقط في "ظلامية" مقيتة، فيما صوتك القادم من السماء وحده الذي يصعد بنا الى النور، وحده القادر على إعادة توازن هذا العالم المريض.

لكني أسمعك فيطمئن قلبي: "إيه في أمل"، أنتِ هناك.

المساهمون