العالم الذي يكشف عنه النور

العالم الذي يكشف عنه النور

23 سبتمبر 2015
مقطع من "وكان النور 1"
+ الخط -

في سلسلة اللوحات السبع المدهشة التي تشكّل عصب معرضه "وكان النور"، ينهمك كمال بُلاّطه بموضوعة أولية ذات تاريخ قديم ومهيب، موضوعة تأخذنا إلى قلب المشاهدة والوجود: لا أقل من رؤيا عالم النور، العالم الذي يكشف عنه النور، في الأيام السبعة الوارد ذكرها في أسطورة التكوين.

تعامُل بلاّطه مع الأسطورة تجريدي بحت؛ لأن أهدافه في الحقيقة أعمق من الوصف والتصوير. ومع ذلك، فإن نهجه الأساس، في تنويعاته الضمنية للضوء/اللون، والتعقيدات الدرامية للتقسيم الخطي وتنظيم الفضاء، يسمح بأن تمثل ممكنات موضوعاته الرئيسية هذه العلاماتِ تمثيلاً حيوياً ينعكس في العين والفكر، في الوقت الذي تستعيد فيه المخيلة قصة النص بكل جمالها.

ومع أن سلسلة اللوحات تعيدنا عامدة متعمدة إلى أصول أولية، إلى بدايات الأشياء، وإلى مخزونات غنية نصّاً وتاريخاً، إلا أنها في الوقت نفسه عمل من أعمال عصرنا الراهن بكل ما تعنيه الكلمة. إنها تستمدّ عرضها الفني للأشكال من السيمياء الدائمة للتجريد الحديث، تلك السيماء التي يشكّل اللون وهندسة المساحات والخطوط عناصرها الرئيسية.

ومن جانب آخر، يحمل أسلوب تعاملها مع المساحات شيئاً من اللطائف والفوارق الدقيقة للمسات ودرجات اللون، تلك التي تأتي بذبذبات عاطفية إلى مجالات ألوان رسامين مختلفي المشارب من أمثال هنري ماتيس وفاسيلي كاندنسكي ومارك روثكو وسيغمار بولكة وروبرت مذرويل صاحب سلسلة "عمل مفتوح".

هذا الانهماك الواعي بالرسم الحديث يجلب طاقة فنية من النوع الذي يمنح حياة جديدة للتعارض القروسطي بين قيم الجمال الكمية (العناية بالتناسب والتناسق والانتظام الرياضي) وقيم الجمال النوعية (العناية بالمتعة الحسية التي نحظى بها من اللون والضوء وهما يتخلّلان كل شيء بلا قيود).

كان هذا التعارض، كما أظهر أمبرتو إيكو، من حيث الجوهر، خلافاً بين فكرة جمال شكلي ونظري، وتجربة للجمال حسّية. وتكشف سلسلة لوحات بلاّطه بهذا التفرع الثنائي الديناميكي، عن البنية الشكلية لعمله الرائع "وكان النور". إنه تأليف يناظر ما يسمّى في الموسيقى تأليف تنويعات على لحن ثلاثي.

وهكذا، فإن كل لوحة من لوحات السلسلة مستقلة ومكتفية بذاتها، وتمتلك مفتاحها الخاص بها؛ نهجها اللوني وموضوعتها. إن كل لوحة تتصل بلوحة أخرى وببقية اللوحات، فتلخّص وتكرّر وتغاير وتُحدث تحويلاً في الأفكار الرئيسية (الموتيفات)، ولكنها تحتفظ في الوقت نفسه بتكاملها الذاتي بوصفها عملاً داخل العمل ككل.

* Mel Gooding ناقد بريطاني، والنص مقطع من دراسة عن سلسلة "وكان النور"

** ترجمة عن الإنجليزية محمد الأسعد

اقرأ أيضاً: كمال بُلّاطه.. التجريد بكثير من النور

دلالات

المساهمون