نساء رند عبد النور المتواريات: في أثر الضحايا

نساء رند عبد النور المتواريات: في أثر الضحايا

29 نوفمبر 2015
(مقطع من أحد أعمال المعرض)
+ الخط -

قبل قرابة أربعة أعوام، فُتح ملف المادة 308 من قانون العقوبات الأردني، التي تقضي بإسقاط تُهمة الاغتصاب عن مرتكبه في حال زواجه من ضحيّته (الأنثى)، شريطة ألّا ينفصل عنها قبل خمس سنوات من زواجهما. شهد القانون جدلاً وسجالاتٍ ما زالت مستمرّة حتى الآن، تتجاذب أطرافها مؤسسات إعلامية وجهات حقوقية ونسوية، إلى جانب المشرّعين الأردنيين الذي يرفضون تعديل المادة.

لعب الإعلام دوراً في تمييع الأمر، فكثيراً ما نلاحظ مرور عبارات تُلمّح إلى أنّ الفتاة القاصر أقامت العلاقة مع الجاني برضاها. حتّى أن بعضاً ممّن يسمّون أنفسهم أخصائيين نفسيين، لم يتوانوا عن الإدلاء بتصريحات تُلمّع هذه المادة، كأن يقول واحد منهم: "نفسية الفتاة تستطيع التأقلم مع مغتصبها بمرور الوقت".

غالباً، ظلّ التحرّك تجاه هذا الأمر ضمن إطار الجمعيات والمؤسسات الحقوقية، وقلّة من الفنانين حاولوا التطرّق إليه من خلال أعمالهم. من هؤلاء، التشكيلية الأردنية رند عبد النور (1988)، التي يُقام لها معرض بعنوان "ومجلّل بالياسمين"، في "غاليري 14" في عمّان، يستمر حتى منتصف كانون الثاني/ يناير المقبل.

بالنسبة إلى عبد النور، فإن للفن في هذا السياق وظيفة تتمثّل في خلق حوارٍ من شأنه أن يُعيد النظر في هذه المادة: "الأمر لا يتعلّق بالتعبير عن الرفض الشخصي وحسب، بل أحاول من خلال أعمالي أن أُعيد صياغة آثار هذه المادة على ضحاياها بطريقةٍ مكثّفة ومرئية، تضع المشاهد أمام الحالة النفسية التي تعانيها الفتاة المغتصبة"، تقول الفنانة في حديثٍ إلى "العربي الجديد".

تلجأ عبد النور في أعمالها إلى استخدام نقوش ورسومات مألوفة في المجتمع الأردني، جزءٌ منها مستلهم من الخيمة المعروفة هناك باسم "صيوان". المفارقة، أن هذه الخيمة تُستخدَم لثلاث مناسبات رئيسية: العرس والعزاء، إلى جانب أن المُرشّحين إلى البرلمان (مجلس النواب)، ينصبونها أيضاً أثناء حملاتهم الانتخابية.

لكن، قد يلحظ بعضهم أن استخدام هذه النقوش فيه نفحة استشراقية. حول هذه النقطة، تقول عبد النور: "استخدامي لهذه النقوش جاء كإشارة سيميائية إلى تقاليدنا والدور الذي تقوم به عبر المادة. أنتقد المادة نفسها التي تُسيء استخدام عاداتنا، لكني لا أنتقد العادات نفسها".

تكمل: "تعمّدت اللجوء إلى هذه النقوش بشكل رمزي، تجنّباً للمباشرة والتلقين"، موضّحةً: "لكن الاستشراق، غالباً، يحمل وصمة سلبية؛ حيث ينظر المستعمر إلينا بفوقية نُلاحظها في بعض الأعمال التي استخدمت أقمشةً ونقوشاً ذات مدلولات تسعى إلى تشييء المرأة في مجتمعاتنا".

يتفاوت ظهور المرأة في أعمال المعرض، فتارةً نراها مغطّاةً بالكامل بهذه الأقمشة، وتارةً أخرى نرى أجزاء من جسدها تظهر، بينما يجلّل/ يُواري بقيته الزهور أو الأقمشة. هذا التفاوت، بالنسبة إلى عبد النور، يصوّر مدى تأثير المادة 308 على كيان المرأة وهويتها: "تعمّدت إظهار أجزاء من جسد المرأة بهدف تأكيد وجودها ومقاومتها، وفي أحيان أخرى كنت أشير، بالمقابل، إلى تهميشها وطمس معالمها".

لا يقتصر التفاوت على ظهور المرأة وحسب، وإنما أيضاً ينسحب على الألوان، فبعض الأعمال يطغى عليها اللون الأحمر بشكلٍ قد يبدو فجّاً، بينما في لوحات أخرى نلاحظ أن الفنانة لجأت إلى ألوان باردة نسبياً، مثل الفيروزي.

توضّح عبد النور سبب هذا التفاوت: "قصدت فعلاً إزعاج الناظر من خلال استخدامي الألوان الأساسية والثانوية الحارّة، حدّ الفجاجة أحياناً، فهي تعبّر عن غضبٍ يهدف إلى استفزاز من يقف أمام اللوحة. كما أن هذه الألوان جاءت من الأقمشة التي استعملت نقوشها". تضيف: "في النهاية، يستند استخدامي للألوان الحارّة والباردة على الحالة التي تصوّرها كل لوحة على حدة".


اقرأ أيضاً: أرشيف أصدق لفلسطين وفنها

دلالات

المساهمون