إلى مصلّح البوابير

إلى مصلّح البوابير

09 يناير 2015
إيتيل عدنان / لبنان
+ الخط -

في فجر المدينة البارد، أقرأ كلمتك عن المحرّر، وتشبيهك له بمصلّح بوابير الكاز. من لا يحترم لغته، كتابةً على نحوٍ أخصّ، لا يحترم نفسه. قد يقال إنّ هذا، في بلادنا، قول شائع بلا مردود، مثل آلافٍ غيره مأثورة ومدحورة من واقع الحياة عمليّاً.

ربما.. ولكن صدَف أنني في أجواء ثقافتيْن لا تتهاونان مطلقاً مع الكتّاب والصحافيين، سواء في دور نشر الكتب الكبرى أو الصغرى، أو في مثيلاتها من الصحف والمواقع؛ لذا تضع محرّرين ومدقّقي لغة، بحيث يندر أن تطالع مادّة، أيّ مادّة (ولو رياضية)، غير مضبوطة إملائياً ونحوياً. وهذا من تقاليد وبديهيّات المهنة، احتراماً للّغة وللقرّاء، على حدٍّ سواء.

فكيف يقال حينئذ إنّ الموقع الإلكتروني لهذه أو تلك من كبريات الصحف العالمية يعجّ بالأخطاء؟ وحتى لو صحّ، فلا يجوز أن يكون الخطأ سبيلاً للتهاون مع لغة تنحدر بسرعة مرعبة في عِقدٍ واحد فقط، لا في عقود ولا قرون؟ ثم متى أُخذَ الانحراف عن الجادّة مرجعاً؟

في زمن بات فيه الجميع تقريباً يكتبون، وأعمُّهم كيفما اتفق، يصبح لزاماً الرجوع للأصول وللفروع في مهنة الكتابة. على الأقل، يذهب الواحد إلى الجريدة الورقية أو موقعها الإلكترونيّ، وهو مطمئنّ أنّ عينيه وعقله، وربما باقي الحواسّ، لن تؤذى إلاّ سهواً وندرةً، بما نحن بشرٌ يسهون.

نكتفي بالأقلّ هنا، لأنّه لا جَلَد لدينا على "الكثير المؤجّل"، ومنه وعلى رأسه تجديد العربية ذاتها نحواً وتراكيب ومصطلحات، بما يناسب عصرنا وسرعة انقلاباته. وتلك قصة أُخرى.

أخيراً، وبعد إبداء الاحترام لمحرّري ومدقّقي هذه الجريدة، على دأبهم الشاق (من يدري؟ ربما تعود مهنة مُصلّحي البوابير إلى الازدهار، كما عادت في غزة. فالحال هناك ليس أسوأ بكثير من الحال في الجوار والمحيط!) أود أن أختم بهذه القصة: 

في "حياتي في الشعر"، يورد صلاح عبد الصبور هذه القصة: سأل الأمير لنغ دي فو كونفوشيوس عمّا يُوصي به من إجراء لاستعادة السلْم ورفع مستوى الخُلُق في مملكته، فأجاب كونفوشيوس: "ضع الألفاظ موضعَها، فحين لا توضع الألفاظ موضعها تضطربُ الأذهان، وحين تضطرب الأذهان تفسدُ المعاملات، وحين تفسد المعاملات لا تُدرس الموسيقى ولا تؤدّى الشعائر الدينية، وحين لا تدرس الموسيقى ولا تؤدى الشعائر الدينية تفسدُ النسبة بين العقوبة والإثم، وحين تفسد النسبة بين العقوبة والإثم لا يدري الشعب على أيّ قدميه يرقص ولا ماذا يعمل بأصابعه العشْر".

المساهمون