"شلاط تونس".. ذكورية وبيدها سكين

"شلاط تونس".. ذكورية وبيدها سكين

22 ابريل 2014
+ الخط -

في صالة عرض "سينمادار" (تتسع لأكثر من 230 شخصاً) في العاصمة التونسية، أبحث جاهداً عن مقعدٍ واحد شاغر لأجلس عليه. لا، إنه ليس فيلماً هوليودياً جديداً مع ليوناردو ديكابريو، إنه فيلم تونسي محلي الصنع والجهد والإبداع. بل إنني علمت بأن الفيلم الهوليودي الآخر في العرض السابق (يضم ثلة من أبرز النجوم) كان شبه خالٍ. إنه لأمر مفرح بحق.

"شلاط تونس" فيلم من نوع الـ"دوكو- فيكشن" أو "موكيمنتاري" (دراما وثائقية). ويروي قصة تونسيٍ اعتاد أن يتجول راكباً دراجته النارية قبل 11 عاماً ليقوم بـ"تشليط" (شطب بالسكين) نساءٍ على أردافهن، ومن ثمّ يفرّ هارباً بدراجته.

في أجواء التعتيم الإعلامي للنظام السابق، أخذت هذه القصة منحى الأسطورة المحلية التي لا يمكن التحقق من مدى دقتها. وليس من السهل اليوم فتح تحقيق بشأنها بعد مضي كل هذا الوقت، لكن يإمكاننا أن "نفتح" شريطاً سينمائياً، يبحث في أبعاد القصة وتأثيرها على المجتمع التونسي. وقد عرفت المخرجة (كوثر بن هنية) كيف تصنع فيلماً لأبناء بلدها، حين خاضت في موضوع يثيرهم.

هناك بعض الشخصيات النسوية القوية والواعية في الشريط. لكن هل يمكن القول إن "شلاط تونس" (ثيمته المركزية هي "المرأة في المجتمع التونسي/العربي") هو فيلم نسوي؟

يتبع الفيلم شخصية (من يُعتقد أنّه) "الشلاط"، حيث يبدو لنا بشكل عام شخصاً من عامة الشعب وذا مبادئ. ذاك الصديق ذو المروءة الذي سيحميك بجسده وقت المعركة. مقابل هذا الود والتعاطف معه، لا نجد فكرة معاكسة حقيقية لشخصه. وباستثناء سؤالين حول علاقاته القديمة ومفهومه للحب، فإنّ المخرجة لا تخوض بشكل جدي في التركيبة بالغة التشويه لهذا الشخص، والتي أوصلته إلى جرح أرداف النساء والفرار. هو، وما كان يقوم به، مجرد "نكتة" في هذا الشريط.

وبدلاً من أن تزيد الأبعاد الشوفينية التي تُضاف إلى شخصية "الشلاط" عبر الفيلم من امتعاضنا منه؛ ترانا نستقبل ذكوريته (مواظبته على فحص عذرية صديقته بجهاز الكتروني خاص) برحابة صدر.

ودعونا لا ننسى هنا أيضاً بأنّ جزءاً من الجمهور ـ لا محالة ـ سيتعامل مع القصة باعتبارها حقيقة/ وثائقية. فها هو هنا يجلس أمام "شلاط" يمكنه أن يتعاطف ويتماهى معه بسهولة.

يمكن القول إنّ المخرجة تتعامل مع "الذكورية المفرطة" من باب السخرية، لكنّها عندما تختار أن تنظر إلى الموضوع بنظرة "ما بعد حداثية" (في مجتمع لم ينجب حداثته كما يجب) فلا بدّ أن نتوقع أن تثير تلك النظرة سوء فهم.

هناك أمثلة عديدة في الفيلم نستحضر أحدها فقط لما فيه من تمثيل رمزي لطرح الفيلم بشكل

عام:

يقول رجل مؤيد للشلاط: "المرأة التي تلبس ما تريد، جزاؤها أن "تتشلط"".

كوثر بن هنية (المخرجة): "ولكن لها الحق بأن تلبس ما تريد".

الرجل: "فإذاً لي الحق أن أغتصبها!".

تقرر بن هنية عدم الإجابة هنا، على نهج "دعه ينفث السم فيودي بنفسه"، أي أنّ مجرد تركه يقول ما يريد سيُظهر مدى قبحه وتشوهه.

في بداية الأمر وباعتباري إنساناً "نسوياً" يدعم فض غشاء البكارة في دماغ الأمة جمعاء، أعجبت بطريقة تعامل بن هنية مع هذه الأمور. لكن، وبعد أن سمعت بعض الآراء المغايرة، تذكرت نقاشاً أدرته في حانة صغيرة مع عشرة أشخاص حول قاضٍ في محكمة سأل امرأة مغتصبة: "ماذا كنت ترتدين عندما أغتصبت؟". كنت الوحيد الذي هاجم هذا السؤال (الحقير) حين أبدى الآخرون "تفهمهم" له بطريقة أو بأخرى. أي أنني تذكرت أين نعيش أنا وبن هنية.

بن هنية تعمل في فضاء ما بعد التحرر. فتراها تسمح للصمت أن يجيب مكانها في أمور مفهومة لها ضمناً، في حين أنه لا بد من وجود كم لا بأس به من رواد الفيلم الذين يعتبرون هذا الجدال (عدم أحقيّة المرأة بان ترتدي ما يحلو لها) هو جدل شرعي. ويفهمون صمت بن هنية على سؤال الرجل (ذو العقل السقيم) في الفيلم بأنه ليس أكثر من موافقة.

تعامُل العالم العربي مع المرأة تعاملٌ سقيم لا مجرد تخلّف. وعندما نعالج السقمَ بأداوت ما بعد حداثية فلا بد أن يؤدي ذلك الى مضاعفات عوضاً عن العلاج. إذا كان في داخلك أي تفهم لظاهرة يقوم بها رجل بشطب مؤخرة امرأة بسكين، بسبب ضيق سروالها؛ فهذا الفيلم لن يثبت لك العكس.

يحيرني فيلم "شلاط تونس" بالطريقة التي يطرح فيها مثل هذه المواضيع، في هذا العالم العربي المعولم، بأفراده المتنافرين حدَّ الإغتراب الذاتي أحياناً. عالم بات يجمع في ذات المقهى من يعتقد بأنّ على النساء أن تتنقب مع من يدعو جهاراً للحرية الجنسية للنساء.

كوثر بن هنية مخرجة ذات مهنية عالية، وحس درامي مرهف، وقدرتها على توجيه الممثلين مثيرة للاعجاب. كما يجذبك فيلم "شلاط تونس" بقصته وأسلوبه منذ المشهد الأول حتى الأخير.

بهذا الفيلم تضع بن هنية اسمها بجدارة في قائمة المخرجين العرب. وإذا لم يقتنع المشاهد بهذا من فيلم "شلاط تونس"؛ فما عليه إلا أن يشاهد فيلمها القصير "يد اللوح".


* سينمائي من فلسطين

دلالات

المساهمون