الفوز طنجور.. الحرب لعبة

الفوز طنجور.. الحرب لعبة

08 ديسمبر 2014
لقطة من الفيلم
+ الخط -

لا شك أنها تبدو مغامرةً غير محسوبة العواقب، أن يقوم مخرج سينمائي سوري بإنجاز فيلم وثائقي عن الحرب الأهلية اللبنانية، في وقتٍ تعيش فيه بلده حرباً غير واضحة النهايات إلى الآن. ذلك ما قام به المخرج الفوز طنجور في فيلمه "بارودة خشب" (63 د، 2013)، الذي أنتجته "الجزيرة الوثائقية"، وكتب نصه الفوز طنجور نفسه، وحاز قبل أيام جائزة "الباندا الذهبي" في "المهرجان الآسيوي الدولي للأفلام الوثائقية" في الصين.

مع بداية حديث شخوص فيلمه عن التجارب والذكريات التي عهدوها أطفالاً مع الحرب، تتوضح للمُشاهد اللعبة المزدوجة التي قام بها طنجور (1975)؛ إذ إنه يبحث في تداعيات الحرب الأهلية بعد سنوات على انقضائها من جهة، ومن جهة أخرى يستشرف المستقبل السوري، ويبحث مبكراً عن نهايات المأساة هناك، في أسئلة تتبدّى ما بين سطور الشريط، وتصل كرسائل مبطّنة يفضحها بين الحين والآخر صوت نشرات الأخبار التي تنقل الحدث السوري.

يبدأ الفيلم بلقطات عامة لبيروت، على إيقاع طرقات شبه منتظمة تصدر عن طفل يصنع بندقيته (بارودته) الخشبية، ثم يبدأ بسرد حكايته في خلفية الصورة (فويس أوفر) مقسماً اللبنانيين إلى جيلين؛ جيل ما قبل الحرب وجيل ما بعدها، في إشارة واضحة إلى الأثر الكبير الذي تخلفه النزاعات في سيكولوجيا شعب تعرض لأضرارها بشكل مباشر وغير مباشر.

المصور الضوئي، وعازفة البيانو، والرسام، ونازع الألغام؛ أربع شخصيات حقيقية تتحدث في سبعة محاور تقريباً: محور العودة من المهجر، الذكريات مع مجريات الحرب، محور الحرب كلعبة، وموقف الشخصيات من بيروت عاطفياً، الحرب وأثرها على الفن، الحياة الجديدة والمشاريع المستقبلية، وأخيراً إرادة البقاء أو العودة إلى المهجر. في هذا الوقت، كانت قصة الطفل، في معظمها، من نسج خيال المخرج، في عملية مزج بين تسجيليّةٍ اعتيادية مع خطّ محوري أقرب للروائي أوجدها طنجور كمساحة ليروي فيها، ربما، واقعه السوري في هيئة طفل لبناني يصنع بندقية.

طفل ماضٍ في صناعة بندقيته، لكنه يبحث عن حل ما، عن إجابات تصلح لبناء زمن قادم، فيلتقط من شخصية الفنان التشكيلي الذي كان قناصاً في زمن الحرب محوراً هاماً عندما يتحدث عن الصراع على البقاء أثناء المعارك، ومعادلة "إما قاتل وإما مقتول" التي تنتهي بعد زمن ويعود أعداء الأمس ندماء اليوم. هذا الفنان بقي لفترة طويلة يبحث في الشارع ويقول: "وينن"، أين هو القناص؟ أين سائق الدبابة؟ لقد اختفوا.. اختفينا جميعاً.

وفي تكريسٍ لفكرة "الحرب لعبة"، يقدم الشريط معادلاً بصرياً ساخراً، فتارة يفخخ الطفل سيارة صغيرة بمفرقعات الأطفال، وتارة يلعب لعبة "الحجلة" مسجلاً أسماء بعض العواصم العربية والعالمية في كل مربع من مربعاتها، وتارة أخرى يصطاد سمكة زينة من قلب حوض صغير ويرميها طعاماً للقطط، في تصوير للعبثية التي تنطوي عليها الحروب وفي إمكانية تحولها للعبة كبار.

صحيح أن اختيار شخصيات الفيلم بدا مدروساً، إلا أنها لم تتقاسم عبء السياق العام بشكل متساوٍ. هذا ما تفرضه خصوصية كل منها؛ إذ تبرز شخصية الرسام من ناحية عمق التجربة، فهو الذي فقدَ قدمه من جراء انفجار لغم أرضي، وتحوّل من قناص إلى فنان تشكيلي، كما يبرز أيضاً من الناحية الفكرية عندما يقدم شهادة ووجهات نظر ساهمت في زيادة عمق الفيلم وصدقه، بينما بدا صوت الطفل الذي يسرد الحكاية أقرب للتصنع منه إلى العفوية.

"بارودة خشب" لعبة بيد طفل، يصنعها بهدوء على امتداد معظم مراحل الفيلم، إلا أنها، وفي ظل الأوضاع الحالية التي تشهدها المنطقة، مرجحة لأن تتحول إلى بندقية حقيقية في لبنان، ليتحول معها الطفل إلى قناص آخر وجديد.

المساهمون