سعدي يوسف: حرائق الشعر وشتائمه

سعدي يوسف: حرائق الشعر وشتائمه

25 نوفمبر 2014
شارع بغدادي (1960)
+ الخط -

بينما خصّصت مجلة "بانيبال"، التي تُعنى بترجمة الأدب العربي إلى الإنجليزية، عددها الجديد (51)، للاحتفاء بالشاعر سعدي يوسف بمناسبة بلوغه الثمانين؛ كانت الأخبار نقلت نية كتّاب عراقيين إحراق كتبه يوم الجمعة الماضي (في الحقيقة هو كاتب واحد ولم يحدث أي حرق في النهاية)، في شارع المتنبي في بغداد، كردٍّ من هذا الكاتب على ما اعتبره إساءة إلى العراق في نصّ نشره الشاعر أخيراً.

الخبران يضعان سعدي في صورتين متناقضتين تماماً. لكنّهما صورتان رسمهما بنفسه لنفسه. فمثلما بنى تجربته الشعرية عبر اقتراحاته الفنية المستمرة، ودأبه الذي لم يعرف الكلل، خلال ما يتجاوز نصف القرن؛ بات يثير، ولا سيما في السنوات الأخيرة، البلبلة والضوضاء حول نفسه، عبر اتباعه الهجاء، لا النقد، سبيلاً للقول.

ليست النصوص التي يكتبها سعدي يوسف شعراً، كما ظنها بعضهم. هي زاوية صحافية يقوم بتقطيع جملها وكلماتها بطريقة القصيدة، وتأتي بعض مقاطعها موزونةً عروضياً، لكن ذلك ليس إلا طريقة لمنح النص خصوصية يراها سعدي ضروريةً كي لا يقع في التشابه، بحيث يجمع بين ما هو شعري وفني مع ما هو صحافي وخبري، على طريقة الساخرين القدماء، في الشعر والنثر العربيين. مع أن مفاهيم العصر تغيّرت، وصار بعض الهجاء عنصرية.

القصيدة/المقالة الاستفزازية أثارت الغضب بدءاً من عنوانها "مصرُ العروبةِ.. عراقُ العجَم!" ومن تتابع عباراتها العنصرية، خصوصاً تلك التي يهاجم فيها الأكراد، ويصف إقليم كردستان بـ "إمارة قردستان عيراق البارزانية بأربيل".

كما أن هناك من اعتبره يدافع عن "داعش" في عبارته: "ما معنى أن تُستقدَم جيوشٌ من أقاصي الكوكبِ لتقتلَ عرباً عراقيّين؟". ناهيك عن أن هناك من اعتبره يهاجم أهل الجنوب، وهو ما أدخل الأمر في حسابات طائفية.

واللافت في نص سعدي الهجائي الأخير أنه يمتدح أسوأ ما في مصر، ويرى العروبة في مصر عبر وجوه ثقافية مدموغة بخدمة الثورة المضادة مثل جابر عصفور وبدرجة أقل أحمد عبد المعطي حجازي. والأنكى، ربما، أنه يستخدم هذه الأسماء ليشتم العراق بتعميم لا يقبل من شاعر مثله.

في بدايات الربيع العربي كان موقف سعدي صاعقاً للشباب، وقد كان الخذلان مضاعفاً من وقوف ذلك الشيوعي ضد الانتفاضات والثورات العربية بشكل مطلق. لكنّ الردود التي تلقاها لم تكن بأقلّ من حرق الكتب. بعضها وصل إلى مستوى لا يمت للثقافة بصلة.

لا ننتظر من سعدي يوسف في ثمانينه أن يراجع مواقفه التي اتخذها في الفترات الماضية، لكننا نتمنى أن يراجع اللغة التي استعملها في التعبير عن تلك المواقف.

المساهمون