وليد شميط.. فلسطين على الخريطة السينمائية

وليد شميط.. فلسطين على الخريطة السينمائية

16 مارس 2024
من اليمين: سليم صعب شميط وهادي زكّاك وإبراهيم العريس (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- وفاة وليد شميط، ناقد سينمائي بارز، في باريس عن عمر يناهز 83 عامًا، مخلفًا إرثًا ثقافيًا غنيًا بمساهماته في النقد السينمائي ودعمه للقضية الفلسطينية.
- "نادي لكل الناس" في بيروت ينظم لقاء "تحية إلى وليد شميط" بمشاركة شخصيات بارزة تناولت مسيرته الغنية وتأثيره في تطوير النقد السينمائي والسينما المستقلة.
- المتحدثون يؤكدون على دور شميط كرمز للتغيير الثقافي والاجتماعي، مشيدين بنظرته الأخلاقية في النقد وإيمانه بقوة السينما في تشكيل الوعي والهوية العربية.

في السادس والعشرين من شباط / فبراير الماضي، رحل في باريس الناقد السينمائي والصحافي اللبناني وليد شميط، عن ثلاثة وثمانين عاماً. غيابٌ يتركُ فراغاً كبيراً في الحياة الثقافية العربية التي تفاعل معها صاحب "فلسطين في السينما" (بالاشتراك مع غي هينبل)، لأكثر من ستّة عقود، أسّس فيها، بصُحبة جيل من الرُّوَّاد، لأن يكون النقد السينمائي جزءاً من الصحافة اليومية، التي في مقدور القارئ العادي أن يحتكّ بها ويتناولها ولا يشعر أنّه غريب عنها.

ضمن هذا الإطار، وتكريماً لإرث ابن مدينة عاليه اللبنانية، نظَّم، مساء الأربعاء الماضي "نادي لكلّ الناس" لقاءً في "ملتقى السفير" ببيروت، بعنوان "تحيّة إلى الكاتب والناقد وليد شميط"، تحدّث فيه كلٌّ من: ابن الرّاحل المُخرج سليم صعب شميط، والناقد إبراهيم العريس، والمُخرج السينمائي هادي زكّاك.

بدايةً، لفت شميط الابن في حديثه إلى أنه كان يُحضّر مع والده، قبل رحيله، لإنجاز فيلم عن مسيرته في عالَم النقد الفنّي. و"يتناول العمل جوانب من حياته، بدءاً من سفره إلى البرازيل قبل أن يتمّ العشرين، حيث بدأ يشتغل مع أبناء جيله لإنجاز المسرحيات، وصولاً إلى الوقوف عند مؤلّفاته التي وضعها ومن بينها 'حياة للسينما: يوسف شاهين'". كما أوضح أنّ الرّاحل كان من أوائل الصحافيِّين اللبنانيّين الذين اشتغلوا على السينما المستقلّة، سواء في لبنان أو العالم العربي، وهو من عمل على تأسيس النوادي السينمائية، من خلال تجربته مع "النادي السينمائي العربي" في بيروت عام 1973. و"في فترة الحرب الأهلية، دمجَ همومه الفنّية برؤيته السياسية العامة". 

وتابع: "على صعيد القناعات الشخصية، ومن خلال علاقته بالآخرين، كان والدي يسعى إلى التغيير الاجتماعي صوب أن نكون في مجتمع مدني حقيقي غير مُتعصّب طائفياً. وفي هذا السياق جاء دعمُه للقضيّة والحضور الفلسطيني في لبنان، وقدّم فهمه الخاصّ لفكرة العروبة التي آمن بها، وعمل على الرّبط في إنتاجاته بين المدن العربية، فضلاً عن هاجسه المتمثّل بدعم الجيل الجديد والشابّ".

آمن بفكرة العروبة وسعى إلى تمثيلها في إطار مدني جامع

بدوره أشار الناقد إبراهيم العريس في حديثه إلى "أنّ شميط هو أوّل كاتب لبناني حوّل الكتابة عن السينما إلى صحافة يوميّة عَبْر ما نشره في 'الأسبوع العربي'، حيث استطعنا منذ الستينيات تأسيس جيل من النقاد السينمائيّين متعدّدي المشارب وبعضنا قضى جزءاً من حياته خارج البلاد، لكنّ همّنا ظلّ مُنحصراً في إظهار للآخرين أننا عربٌ في لبنان، وهذا الحرص كان سابقاً على عمل شميط بـ'جامعة الدُّول العربية' مستشاراً للشاذلي القليبي. ولم يقتصر نشاطه على الداخل اللبناني، بل توسّع أكثر ليشمل المحيط العربي". واستطرد العريس: "مقالات وليد شميط النقدية تمثيلٌ لنظرته عن الأخلاق، إذ لم يستغل مكانته النقدية للتجريح بالآخرين. أنظُر، اليوم، إلى هذا الجيل الذي رحل أغلبُه، وأتساءل مَن سيبقى للسينما اللبنانية إنتاجاً ونقداً؟". 

الصورة
وليد شميط - القسم الثقافي
وليد شميط (1941 - 2024)

ولفت العريس إلى تجربة شميط بالعمل في "المركز الوطني للسينما" مؤكّداً أن فكرة الانفتاح على الآخَر هي التي ظلّت تقودُه أينما ذهب. و"رغم أنّه كان مُؤهَّلاً لمسؤوليات كبيرة في لبنان لكنّه لم يحصل عليها، لأسباب لا تتعلّق به بالتأكيد، بل بالدولة وتعييناتها الطائفية التي تضع أشخاصاً لا علاقة لهم وتُولِّيهم مناصب لا يفقهون عن خلفيّاتها المعرفية والأكاديمية شيئاً". وختم: "كان له فضلٌ كبير عليّ وعلى تطوير أسلوبي النقدي، جزءٌ منّي ومن ذاكرتي رحَل يوم علمتُ برحيله".

أمّا الباحث والمخرج هادي زكّاك، فاستذكر معرفته الأولى بالرّاحل، التي تعود إلى أواسط التسعينيات، حين وقَع على مقال له في مجلّة "الطريق" يرجع إلى عام 1978، بعنوان "السينما اللبنانيّة: من الانتداب إلى الاستقلال إلى... مُخرجي أفلام الدعاية وترويج البضائع". لاحقاً، يُتابع زكّاك: "تعرّفتُ على مقالات وليد شميط في 'النشرة' و'الأسبوع العربي' وكذلك برنامجه على شاشة التلفزيون اللبناني، لتبدأ رحلتي بالبحث الأرشيفي عن هذه الحلقات، هُنا شعرتُ بأنّ تاريخ السينما بحدّ ذاته يتحوّل إلى قصّة. ثم صار أن التقيتُه للمرّة الأُولى في 'معهد العالَم العربي' بباريس، فوجدتُ أني ألتقي شخصاً يُريد أن يسمعني بدل أن يتكلّم. فعلى عكس حالة 'فَرْط الأنا' السائدة في هذا المجال، ذوّب شميط أناه في خدمة السينما، وقال كلمته عبر عقود من غير أن يقول 'أنا'".

الصورة
فلسطين في السيينما - القسم الثقافي

وأضاف زكّاك: "بعدها بسنوات أنجز شميط كتابه عن يوسف شاهين، وتناولتُه بمراجعة في صحيفة 'ديلي ستار' فراسلني إثرها مُعبّراً عن مدى سعادته بالمقال، وبذلك أصبحت علاقتُنا عمليّة تبادُل مُستمرّ. كما تقاطعت مشاريعنا لاحقاً حين أنهى كتابه "إمبراطورية المُحافظين الجُدد: التضليل الإعلامي وحرب العراق" بعد غزو العراق، وكنتُ أُنجز حينها فيلماً عن المُبشِّرين الجُدد فالتقت مساراتُنا مجدَّداً، فضلاً عن مواضيع أُخرى اشتغلتُ عليها وجدَت أصداءها عنده".

وختم: "وضع وليد شميط فلسطين على الخريطة السينمائية، منذ السبعينيات، وتمكّن من تأسيس جيل رائد إلى جانب أسماء مثل برهان علوية ومارون بغدادي، كما ظلّ مُؤمناً إلى أبعد حدٍّ بقُدرة الجيل السينمائي الجديد على قول كلمته".
 

  

المساهمون