وقفة مع أماني سليمان داود

وقفة مع أماني سليمان داود

19 مارس 2022
أماني سليمان داود
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه.  "علينا فهم المنطقة بين الرضا التام والسخط على الذات" تقول الباحثة والقاصّة أماني سليمان داود في حديثها إلى "العربي الجديد".



■ ما الذي يشغلكِ هذه الأيام؟

- يشغلني سؤال: مَنْ نحنُ بعد "كورونا"، وهل بدّلتْ هذه التجربةُ منظورنا للعالم والكون؟ من ناحية أخرى، شغلني ويشغلني باستمرار ما حدث في القدس؛ الشيخ جّراح وسلوان، وما حدث ويحدث في غزّة، ولوحات الدمار التي تتراكم في رؤوسنا، وأتساءل: هل يتوزّع الحزن على العالم بالتساوي؟ وكم جيلاً سنحتاج لكي يتحقق حلم التحرير والعودة؟ لكنْ، لعلّ ما حدث الربيع الماضي في انتفاضة الشارع الفلسطيني بكافّة أطيافه - حيث توحّدت فيه رؤية الفلسطينيين في الداخل ونالوا دعماً من عدد من الشعوب النبيلة في العالم - يعيد قلْبَ آليات تفكيرنا، كما يُعيد إيماننا بأن الحقّ لن يضيع يوماً طالما هناك مَنْ يطالبُ به.


■ ما هو آخر عمل صدر لكِ وما هو عملك القادم؟

- صدرت لي مؤخّراً قصّة أطفال بعنوان "أحبّ عائلتي"، وهي الثانية بعد قصّة "الكتاب المسحور" التي كانت أولى خطواتي باتّجاه تجربة مغايرة، وهي تجربة الكتابة للأطفال. ولعلّي بهذه المغامرة الكتابية أصغي إلى صوت الطفل في داخلي، الذي يتصادى مع أصوات الأطفال حولي، ما يجعل الذهاب باتّجاه هذه التجربة وهذا التجريب شكلاً من أشكال استجابتي للنداءات الفنّية الجمالية مهما كان جنسها. وقد جاءت الكتابة للأطفال بعد إصداري أربع مجموعات قصصية، وهي: "شخوص الكاتبة"، و"سمِّه المفتاح إن شئت"، و"جوار الماء"، و"غيمة يتدلّى منها حبلٌ سميك". في الواقع، لا أعلم تحديداً شكل عملي القادم، فحالة الكتابة تمور باستمرار، ولا تمنحني شكلها الإبداعي الفنيّ إلّا حين تستوي على سُوقها في داخلي.


■ هل أنت راضية عن إنتاجك ولماذا؟

- عليكَ ألّا ترضى؛ كي لا يخبو تطلّعكَ نحو الأفضل، وهذا لا يعني البتّة أن تتنمّر على ذاتك بما يحول دون شعورك بضوء أمل ينتظرك في آخر الممرّ، أو بما يحبس قدرتك على أن تخلع باب الصندوق وتخرج بتفكيرك بعيداً عنه. الرضا التام يشبه السَّخَط المؤذي، وما بينهما منطقة عليك أن تتقن فهمها واللعب في حيّزها لتكون مُنتِجاً فاعلاً ومبدعاً جميلاً... تبدو المسألة أقرب إلى النسبية على أيّة حال.


■ لو قيّض لكِ البدء من جديد، أي مسار كنت ستختارين؟

- المشكلة مركّبة على نحو يجعل المرء يُراوح في حيّز السؤال المكرور: أنحن مسيّرون أم مخيّرون؟ ولكنّني أحبّ التوهّم برؤية الأمور على ما يرام إلى حدٍّ بعيد، فكثير ممّا أنا فيه وما أنا عليه ليس إلّا نتاج رياحٍ رمتني لأكونه بذاته، وقد استهوتني لعبة الطيران بين دفّتي الرياح. لذا، إذا ما قُيّض لي البدء من جديد، سأنادي الرياح لتلعب ثانيةً بما تشاء وأنّى شاءت، سأعتلي ظهرها وأغنّي كما غنّى المتنبي: على قَلَقٍ كأنّ الريحَ تحتي.


■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟

- وهل إذا ما أردتُ تمَّ ما أريد؟ أريد عالماً أقلّ سوداوية ووجعاً، أريد بشراً أقلَّ بؤساً وضياعاً وحقداً، وأريد إمكانيات أوسع على الاحتمال وقدرات أكبر على الأمل، يا إلهي؛ كم نحتاج الأمل، كي نستكمل ما تبقّى من درب الآلام على خير ما يرام (أليس في ذلك مفارقة؟). لعلّ ما نريده سكينة ما تُوجِّهُ أحلامَنا إلى دروبها الصحيحة.


■ شخصية من الماضي تودين لقاءها، ولماذا هي بالذات؟

- أعجبتني شخصيات كثيرة من الماضي القريب والبعيد، رغم انتمائها إلى رؤى ومرجعيات مختلفة. لكنّني أستحضر للتوّ ملكاً من ملوك القصة؛ تشيخوف، إذ يحلو لي أن أراقبه، فأكتشف أيّ جنون أو جمال سحريّ يتلبّسه أثناء تخلّق القصص الرائعة بين يديه.


■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعودين إليه دائما؟

- أعود إلى "طواسين" الحلاج بين الفينة والأخرى، وأقرأها كلّ مرّة بالحال التي أكونها وقت القراءة، وبما أُلْتُ إليه أعيد تأويل ما قرأته منها سابقاً، بمعزل عن صحّة التأويل أو عما أراده الحلّاج - صاحب الطواسين - فعليّاً.


■ ماذا تقرأين الآن؟

- تتوزع قراءاتي بين خطّ يختصّ باهتماماتي البحثية في الأسلوبية والبلاغة والحِجاج، والسردية العربية، وخطّ يتعلّق بالقراءات المتعلّقة بمشروعي الإبداعي الجديد. ولكنْ هناك باستمرار ديوان شعر أو رواية أو مجموعة قصصية في جواريَ، ومن ذلك أقرأ الآن "نمر تريسي" لوليام سارويان، وأجدّد قراءة "في حضرة الغيّاب" لمحمود درويش.


■ ماذا تسمعين الآن، وهل تقترحين علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟

- أتقلّب بين الكلاسيكي والحديث باستمرار، وأعرف كيف أتمتّع بكلّ منهما، وأتفهّم الحالة الوجدانية التي تنهض باختيار هذا مرّةً وذاك أُخرى، ويغلب الاستماع أثناءَ قيادتي السيارة في المسافة بين البيت والجامعة. ومن الطريف أن قيادتي سرعةً وبطئاً تتأثّر بالمقام الموسيقى الذي أسمعه... على أيَة حال، أستمع هذه الأيام لمروان خوري، ولعمر خيرت، وما بينهما أستعيد شغفي القديم ببرايان آدمز.



بطاقة

أكاديمية وباحثة وقاصّة تحمل شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها، وتعمل أستاذاً مشاركاً في "جامعة البترا" الأردنية. أصدرت مجموعات قصصية عدّة، منها "غيمةٌ يتدلّى منها حبلٌ سميك" (2020)، و"جِوارُ الماء" (2018)، و"سمّه المِفتاح إنْ شِئْت" (2016)، إلى جانب دراساتها النقدية مثل "الأسلوبية والصوفية: دراسة في شعر الحسين بن منصور الحلاج" (2002)، و"الأمثال العربية القديمة: دراسة أسلوبية ـ سردية ـ حضارية" (2009).

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون