مفكرة المترجم: مع أحمد الزناتي

مفكرة المترجم: مع أحمد الزناتي

06 نوفمبر 2022
أحمد الزناتي في بورتريه لـ أنس عوض (العربي الجديد)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "أؤمن بالنظرية القائلة بوجود حتمي للخسائر في عملية الترجمة؛ المترجم الجيّد هو الذي يخرج بأقلّ قدر منها"، يقول المترجم المصري في حديثه إلى "العربي الجديد".


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
 
- بدأت الحكاية سنة التحاقي بـ "كلّية الألسن - قسم اللغة الألمانية" سنة 1996، وفي السنة الثالثة درَّس لنا عميد مترجمي الألمانية الراحل مصطفى ماهر، وفتحَ أمامنا بابًا واسعًا من المعارف، في هذه الفترة وقعتُ في أَسر أعمال المفكّر عبد الرحمن بدوي وترجماته عن اللغات الأوروبية كافة. كان بدوي دائمًا، ولا يزال، مثالًا، أحاول الاحتذاء به. في ذهني دومًا تقديم مختارات من الأدب الغربي على غِرار سلسلة بدوي "خلاصة الفكر الأوروبي"، وهو ما أفعله في كتب المقالات. بدوي أسطورة لن تتكرّر.

  
■ ما آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟

- صدرت لي مؤخّرًا أربعة أعمال عن "منشورات حياة". "كلاين وفاغنر" لهيرمان هسّه، و"مونتيني" لشتيفان تسفايغ، و"حبل الروح" للكاتب النمساوي/ التشيكي ليو بيروتس، وكتاب "خدش عظم الحياة: قراءات من الفكر الغربي"، فضلًا عن كتاب خامس وهو "هكذا تكلّم كارل غوستاف يونغ: حوارات وشهادات ومذكّرات" عن "دار صوفيا". حاليًا أمامي عملان: عمل جديد لهيرمان هسّه، وعمل ثانٍ لكاتب نمساوي. 


■ ما، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟ 

- العثور على دار نشر واعية، تتقن صنعتها، وتصون جهد المترجم، ولا تخشى من تقديم الجديد والمغاير للذائقة السائدة، إلّا أنّ ذلك لا يعني غضّ الطرف عن المكسب المادي وهو أمر جوهري بلا شك. أرى أن القارئ العربي اليوم واعٍ وذوّاق، سيفرز ويميّز؛ ألاحظ ذلك بوضوح في معارض الكتب واختيارات القُرّاء في ما ينشرونه على وسائل التواصل الاجتماعي. 

هدفي من الترجمة والكتابة أن أرى الأشياء رؤيةً أوضح

■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟

- أرى دور المحرِّر محوريًّا، سواء في الكتابة الأدبية أو الترجمة، لأنه يرى ما لا يراه الكاتب/ المترجم، شريطة أن يكون قارئًا جيدًا، واعيًا بدوره. على سبيل المثال بول أوستر -وهو مترجم قدير- يُنصت دومًا إلى آراء المحرّرين (في الترجمة والكتابة على حد سواء). خلال تعاملي مع "منشورات حياة"، أسعدني الحظّ بمُحرِّرة ممتازة، كانت نصائحها مهمّة وأخذتُ بها.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟

- أقترح عادة العناوين التي أودّ ترجمتها، إلّا لو كان القائمون على الدار يمتلكون ذوقًا أدبيًّا قريبًا من ذوقي، عندها نتكلّم ونتناقش ونستبعد ونُرجّح، لكني لم ولن أترجم شيئًا مفروضًا عليّ لاعتبارات سوق أو جمهور أو غيرها...


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟

- لا يميل ذوقي إلى الأعمال الفنية المازجة بين الأدب والسياسة، ولو حدث فسأترجم حتمًا ما يتّفق مع رؤيتي وأفكاري.


■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟

- عند اختيار أي عمل للترجمة يتحتّم عليّ أن أقبض على جُملة أو مشهد سبق وأن رأيته في حياتي أو عايشته، أو طَرح عليّ سؤالًا لم أستطع العثور على إجابة له. كلّ عمل أترجمه ينبغي أن يجيب عن سؤال سبق وأن طرحته على نفسي مرّة. هدفي من الترجمة والكتابة أن أرى الأشياء رؤية أوضح.

لن أترجم شيئًا مفروضًا عليّ لاعتبارات سوق أو جمهور

■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟

- أكتب الأدب، وقد نلتُ المركز الأوّل في "جائزة الشارقة" عن فئة الرواية عام 2016، و"جائزة قصور الثقافة" المصرية عن الرواية والقصّة عامَي: 2016 و2021. أفدتُ من الترجمة إفادة هائلة في شحذ الوعي المعرفي عندي وتعريفي بتقنيّات سردية مغايرة. عندي لا انفصام بين الكتابة والترجمة، كلاهما ضرب على وتر واحد. لا أتصوّر مُجمل إبداع إدوار الخراط أو بدر الديب أو يحيى حقي من دون ترجماتهم. كتبتُ مرّة مقالة عن الروائي الإسباني الراحل خافيير مارياس حين ترجم رواية لورنس ستيرن "تريسترام شاندي" وقال إن ترجمته للرواية هي أفضل أعماله الإبداعية قاطبة، لأنه صنع كمترجم نسخته الخاصة من الرواية. لذا، الترجمة جنس أدبي قائم بذاته.
 

■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟

- في الحقيقة، أنا غير متابع للجوائز العربية في مضمار الترجمة، لكنّ بعضها صار مُجزيًا ماديًّا، وهو حافز مهمّ للمترجمين.


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟

- كان لمصر، كما العادة، قصب السبق في الترجمة المؤسّسية، أقصد مشروع "سلسلة تراث الإنسانية" في الستينيات تحت إشراف وزارة الثقافة والإرشاد القومي، شاركتْ فيها أسماء عظيمة، مثل: أحمد فؤاد الأهواني، وزكي نجيب محمود، وفؤاد زكريا وغيرهم. الترجمة المؤسّسية تحتاج إلى مظلة رسمية، وأفضل الأشكال في اعتقادي هي المؤسّسات الجامعية. في أميركا كثير من الجامعات لديها دُور نشر ومطابع خاصّة تنشر أعمالًا قيّمة: "ييل"، و"برينستون"، و"شيكاغو"، وسواها ممّا أحرص على متابعة إصداراتها باستمرار وأقتني منها الكثير. 

شحذت الترجمة وعيي المعرفي وزوّدتني بتقنيّات سردية مغايرة 

■ ما المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟

- المبدأ الأساسي محاولة الاقتراب من روح المؤلّف وفهم مقصده من وراء اختيار كلّ جُملة ومفردة. من بين تقنيات ممارسة الترجمة تقنية اسمها الأثر، أي محاولة خلق الأثر الذي تخلقه الجُملة - المفردة في الأصل، داخل القارئ في اللغة المنقول إليها. أؤمن بنظرية أومبرتو إيكو القائلة بوجود حتمي للخسائر والتعويضات في عملية الترجمة؛ المترجم الجيّد مفاوض شاطر، يخرج بأكبر قدر من المكاسب وبأقلّ قدر من الخسائر لصالح الطرفَين: النصّ الأصلي والنصّ المترجم. أمّا عن عاداتي، فأترجم في أوقات متأخّرة من الليل على موسيقى جاز خفيفة. 


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟

- لم أندم على شيء، لأنّي لم أفعل سوى ما أردتُ فعله.


■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟

- أتمنى أن يمتدّ بي العُمر لأترجمَ رواية "وولف سولينت" للكاتب البريطاني جون كوبر بويس، وهو عمل سردي جبّار ومذهل بكلّ المقاييس. كذلك أرغب في نقل أعمال كاتب ألماني مهمّ، يُقال إن "نوبل ما كانت لتُمنح لكاتب ألماني أفضل منه"، لكنّه كان منعزلًا، بعيدًا عن الأضواء، اسمه أرنو شميدت. ثمّة أعمال لـ يونغ وباول تيليش أيضًا. أقول أحيانًا لنفسي ربّما يسبقني غيري لترجمتها، وأستمتع أنا بالقراءة.


بطاقة
كاتب ومترجِم مصري من مواليد القاهرة عام 1979. من الأعمال التي نقلها عن الألمانية: "خزانة الكتب الجميلة: كيف نقرأ ولماذا؟" (مجموعة من المؤلّفين، 2018)، و"رماد وإبرة وقلم رصاص وعود ثقاب" لـ روبرت فالزر (2020)، و"مونتيني" لـ شتيفان تسفايغ، و"كلاين وفاغنر" لـ هيرمان هسّه، و"يونغ وهسّه" لـ ميغيل سيرانو، و"حبل الروح" لـ ليو بيروتس، و"هكذا تكلّم كارل غوستاف يونغ: حوارات، شهادات، مذكّرات" وكلّها صدرت هذا العام. له في الرواية: البساط الفيروزي: في ذكر ما جرى ليونس السمّان" (2017)، و"ماضي" (2018).

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون