"ماركس في فرنسا": عن ولادة فكرٍ جذريّ

"ماركس في فرنسا": عن ولادة فكرٍ جذريّ

01 ابريل 2023
من المعرض (متحف التاريخ الحيّ)
+ الخط -

"موعدُنا إذاً في باريس، هذه المدينة القديمة، هذه المدرسة الكُبرى للفلسفة وهذه العاصمة الجديدة للعالَم الجديد. (...) أيّاً يكن، سأصل إلى باريس في نهاية الشهر، لأن الهواء هنا في ألمانيا بات يحوّل عقولنا إلى عقول عبيد، ولأنني لم أعد أجد في البلد أيّ مجال أمارس فيه نشاطي بشكل حرّ"... بهذه الكلمات خاطب كارل ماركس، في أيلول/ سبتمبر 1843، صديقه المفكّر والسياسي أرنولد روغه، الذي دعاه إلى المجيء للعيش في العاصمة الفرنسية، بعيداً عن قمع السلطات البروسية التي كانت قد أرهقت كاهل ماركس بالرقابة ومنعته من نشر مقالاته النقدية في "المجلة الراينية".

هكذا، سيحطّ الفيلسوف الألماني حقائبه، مع زوجته يني فون فيستفالين، في باريس بدءاً من تشرين الأول/ أكتوبر التالي، في إقامةٍ ناهزت العام ونصف العام من الزمن، وانتهت ــ مرّةً أُخرى ــ بمنعه بسبب أفكاره الثورية، وبصدور قرارٍ حكومي بطرده من البلد.

"ماركس في فرنسا" هو عنوان المعرض الذي يعود من خلاله "متحف التاريخ الحيّ" في ضاحية مونتروي الباريسية إلى حضور الفيلسوف الألماني (1818 ــ 1883) في فرنسا، جسدياً من خلال إقاماته في البلد (سيعود الفيلسوف ليزور باريس ويقيم فيها، لفترات متقطّعة وقصيرة، حتى عام 1849)، بل وكذلك من خلال الأفكار.

في باريس ستنعقد صداقته مع إنغلز الذي كان قد التقاه بشكل عابر فقط

المعرض، الذي افتُتح في الخامس والعشرين من آذار/ مارس الماضي ويستمرّ حتى نهاية العام الجاري، يضمُّ مجموعةً واسعة من المُلصقات والنشرات الثورية والحزبية، ومقالات الصحف والنصوص التي وضعها ماركس في ذلك الوقت، أو التي كتبها مثقّفون فرنسيون حوله، إلى جانب مسوّدات ورسائل شخصية، وكذلك عدداً من المنحوتات والبورتريهات التي يظهر فيها مؤلّف "رأس المال".

وتُرافق هذه الموادّ شروحاتٌ مفصّلة يقدّمها منظّمو المعرض لتوضيح مسار ماركس في فرنسا، والنحو الذي جرى من خلاله تلقّي فكره السياسي والفلسفي، حيث يمكن للزوّار الاطّلاع على آثار لقاءاته بالعديد من المنفيّين الألمان في فرنسا، ومسعاه معهم للقيام بـ"شيءٍ ما" خلال منفاه، وهو ما أثمر عن تأسيسه، مع روغه، مجلّة "الحوليات الفرنسية الألمانية"، والتي لن يصدر منها إلّا عددٌ واحد مطلع 1844، حيث ستتوقّف بسبب صعوبة توزيعها بشكل سرّي في ألمانيا.

الصورة
أمام خارطة لمسار وتنقّلات ماركس في باريس (من المعرض/ متحف التاريخ الحيّ)
أمام خارطة لمسار وتنقّلات ماركس في باريس (من المعرض/ متحف التاريخ الحيّ)

كما يضيء المعرض على خصوبة تلك المرحلة في تجربته، وعلى ما أضافته إليه إقامته في باريس، بدءاً من لقاءاته المطوّلة، ثم صداقته مع فريديريك إنغلز (1820 ــ 1895)، الذي لم يكن قد التقى به قبل باريس إلّا بشكلٍ عابر، ومن ثمّ تأليفهما كتاب "العائلة المقدّسة" (1844)، والتعرّف أيضاً إلى المفكّر السياسي والاقتصادي الفرنسي بيير جوزف برودون (1809 ــ 1865)، والمنظّر الأناركي الروسي ميكائيل باكونين، وقراءته في باريس، مع إنغلز، لكتاب لودفيغ فويرباخ "مبادئ فلسفة المستقبل"، ناهيك عن اجتماعاته ونقاشاته مع جماعات العمّال والناشطين الفرنسيّين والألمان حول قضايا العدالة الاجتماعية والاقتصادية والثورة وغيرها.

يضعنا المعرض في سياق كلّ هذه الأحداث، ويشرحها، بالكلام والوثائق والتوضيحات، كما يشرح التغيّرات الفكرية والسياسية التي ستطرأ على قناعات ماركس، والدور الذي لعبته لقاءاته مع الأجواء الثورية في باريس بتكوين قناعات جذرية ستحمل لاحقاً اسم الماركسية.

المساهمون