سليمان مصطفى زبيس.. من يعيد أسماء الأندلسيين إلى أصحابها؟

سليمان مصطفى زبيس.. من يعيد أسماء الأندلسيين إلى أصحابها؟

01 مايو 2021
سليمان مصطفى زبيس في بورتريه لـ أنس عوض (العربي الجديد)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الأوّل من مايو/ أيار، ذكرى ميلاد المورّخ التونسي سليمان مصطفى زبيس (1913 – 2003).


حين نذكر طيف المشتغلين في تاريخ الأندلس يُمكننا أن نربط كل عَلم من أعلامها بأحد وجوه حضور العرب في الجزيرة الإيبيرية، فإذا أردنا معرفة التاريخ السياسي فعلينا بكتابات محمد عبد الله عنان (1896 - 1986)، وإذا وددنا أن نفهم الأندلس جغرافياً فعلينا بأعمال حسين مؤنس (1911 - 1996)، وحين يكون مبتغانا ملامسة تاريخ الفنون ففي كتابات عبد الرحمن الحجيّ (1935 - 2021) ما يشفي الغليل، أما إذا كنا نريد أن نعرف الأندلس من خلال آثارها فعلينا بدراسات سليمان مصطفى زبيس.

المَعلَم التاريخي، باعتباره وثيقة تاريخية ميدانية، هو محور جهود المؤرّخ التونسي، منه ينطلق في فهم الصراع العربي-الإسباني أو موجات التهجير أو أي محطّة أو قضية أخرى من قضايا ما بات يعرف بالموريسكيات، وإليه يعود بعد فحص ومقارنات وتأويلات.

كان زبيس يتعاطى مع المعالم التاريخية باعتبارها قضية في زمن لم يعرف اهتماماً رسمياً بالآثار فلا يخفى أن الاستثمار السياحي لها لم يبدأ بعد في الفترة التي عرفت بداياته أي في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي. وقد قاده هذا الاهتمام بالمعالم إلى مجالات فرعية ضمن الدراسات الأندلسية، فتميّز خصوصاً في "الأونوماستيك" (دراسة أسماء البشر) و"الطوبونيميا" (دراسة أسماء الأماكن) وبات مرجعاً في ذلك ما مكّنه أن يُنتخب عضواً في "الأكاديمية الملكية للتاريخ الإسباني".

ولعلّه قد حدس منذ بداية اهتمامه بتاريخ الأندلس، وهو المنحدر من أسرة ذات أصول أندلسية استقرّت في بلدة تستور، أن ما تفتقده الكتابات حول فترة حضور العرب في إسبانيا - على اتساع أفقها وطلاوتها - هو الارتباط مع ما لا يزال واقعياً كالأماكن والأسماء، وربما كان غياب هذا البعد أحد أسباب تضخّم "الأسطورة الأندلسية" داخل الكتابة التاريخية وتسرّب العاطفة إلى مختلف مقارباتها.

جعل من المعالم الأثرية منطلقه في فهم تاريخ الأندلس لتخليصه من الأسطرة المعاصرة

هكذا تناول زبيس الأندلس من خلال أثرها العيّني في الحاضر، فعاد يلامس جوامعها ومدارسها ومقابرها ووثائق حكّامها وألقاب الأسر التي توارثتها الأجيال، وهو حين يفعل ذلك لا يكتفي بالأثر الأندلسي في الأرض الإيبيرية بل يتتبّعه حيث يكون، فيمسح خارطة الآثار الأندلسية في تونس ومختلف جزر المتوسط والمغرب وليبيا والجزائر، وكثيراً ما كان يأسف على عدم التعامل مع الكثير من هذه الآثار على أنها معالم تاريخية وهو ما جعلها عرضة لتجديدات عمرانية جنت على بريقها التراثي أو أُهدرت قبل أن يعرف المؤرّخون قيمتها التوثيقية.

لم تكن جهود زبيس مقتصرة على البحث والتأليف، فهو أكثر من يعلم بأن المؤرّخ الذي يكتفي بذلك مثل "نبيّ أعزل"، فكان وراء عدد من المشاريع التي تتيح تصريف نتائج الدراسات والأبحاث في فاعلية تخدم قضية المعالم الأندلسية في محيط غير مبال. كان أبرز هذه المشاريع تأسيسه لـ"مركز الدراسات الإسبانية الأندلسية" في 1972.

وفي الحقيقة، لم يكن جهد زبيس مقتصراً على الآثار الأندلسية بل على مجمل الآثار الإسلامية التي عمل على خدمتها من المواقع التي شغلها في أجهزة الدولة التونسية أو كمؤطّر للباحثين في الآثار الإسلامية. وتعترف له "الموسوعة التونسية" التي صدرت عن "المجمع التونسي للآداب والفنون والعلوم - بيت الحكمة" في 2013 بأن زبيس قد رد الاعتبار للآثار الإسلامية في وقت (أي في الأربعينيات) لم يكن فيه المؤرّخون يُدخلون تحت التصنيف الأثري غير المعالم الرومانية والبيزنطية والقرطاجية أي ما كان يشغل الأثريين الفرنسيين.

رد الاعتبار للآثار الإسلامية في تونس بعد أن كانت مهمّشة من الفرنسيين

لو فحصنا قائمة مؤلفات زبيس سيبدو اختصاصه في الدراسات الأندلسية مجرّد مدخل إلى ما هو أعمّ وأشمل، فمن العناوين التي أصدرها: "الآثار الإسلامية في عهد الأتراك" (1955)، و"نقائش تونس وأحوازها" (1955)، و"آثار المغرب العربي" (1958)، و"القباب التونسية في تطورها" (1959)، و"الفنون الإسلامية في البلاد التونسية.. من قيام الدولة الأغلبية إلى قيام الدولة الموحدية" 1978.

أما مساهمات المؤرّخ التونسي في الدراسات الموريسكية فبقيت متناثرة بين المؤلفات والمجلات العلمية والمحاضرات والمخطوطات، وقد جُمعت بُعيد رحيله، تحديداً في 2004، ضمن كتاب بعنوان "أندلسيات زبيس" بجمع وتحقيق الباحث أحمد الحمروني. 

يشير هذا الكتاب إلى أن الإسهامات البحثية لسليمان مصطفى زبيس قد توقّفت في 1999، وحيث توقّفت لن نجد انشغالاً بحثياً بنفس ذلك الاندفاع والانغماس في الآثار الأندلسية حيثما كانت، ولا حتى باستعارة منهجيات المؤرّخ التونسي أو الاستناد إلى ما أنجز لمواصلة الجهود، وكأن حقل الأندلسيات قُتل بحثاً وتنقيباً.
 

الأرشيف
التحديثات الحية

المساهمون