سجّاد عبد الحسن منجل: قراءة في نصوص اقتصادية سومرية

سجّاد عبد الحسن منجل: قراءة في نصوص اقتصادية سومرية

18 سبتمبر 2022
جانب من زقورة أور، الناصرية 1 أيار/ مايو 2002 (Getty)
+ الخط -

شهدت الحضارة السومرية في مراحل حكمها - التي استمرّت على فترات متقطّعة من الألف السادس إلى الألف الثاني قبل الميلاد - ابتكار تقنيات جديدة مثل العجلة وأنظمة الريّ والسفن والقوارب الشراعية، بالتزامن مع ازدهار قام على الاستفادة من موارد الأرض الزراعية والمعدنية، وصولاً إلى اختراع الكتابة المسمارية التي دوّن السومريون على ألواحها أقدم التشريعات والتقويم الزراعي والأنظمة الإدارية.

في كتابه "اقتصاد بلاد الرافدين في عصر سلالة أور الثالثة (2112 - 2004 ق. م): نصوص اقتصادية غير منشورة" الذي صدر حديثاً عن "دار الشؤون الثقافية العامة" في بغداد، يضيء الباحث العراقي سجّاد عبد الحسن منجل تاريخ آخر أسرة سومرية حكمت البلاد.

يتناول الكتاب مرحلة قامت السلطة خلالها بتوحيد العمليات الإدارية وتوثيق الأرشيف ووضع نظام الضرائب، بعد إنشاء مشاريع زراعية ضخمة اعتمدت على أنظمة الريّ المعقّدة، كما أُنشئت مصانع النسيج التي صدّرت ملابس صوفية وكتانية إلى الممالك المجاورة، مع توسّع هائل في حركة التجارة.

يتوقّف المؤلّف عند مفهوم الاقتصاد في اللغة ونشأته في حضارات ما بين النهرين من خلال العودة إلى المضامين العامّة للنصوص المكتوبة في عصر تلك السلالة بالدراسة والترجمة والتحليل، لفهم كيف تأسّس أوّل نظام اقتصادي في بلاد الرافدين مع بداية اكتشاف الزراعة أو قبلها بقليل، حين كان الإنسان يحاول بناء اقتصاد الغذاء فيقوم بخزن كمّيات من الحبوب بالفخّار ويدفنها في الأرض.

في حديثه إلى "العربي الجديد"، يشير الباحث المتخصّص في الآثار والكتابة المسمارية، سجّاد منجل، إلى أنه "بعد اكتشاف الزراعة، برز نظام المقايضة بين المزارعين، وتزامن مع ذلك ظهور التخصّص حين بدأ المزارعون يعرفون ما يلائم أراضيهم من مزروعات، ويتبادلون في ما بينهم، في أوّل تبادل تجاري عرفته البشرية".

يعود إلى مفهوم الاقتصاد في اللغة ونشأته في حضارات العراق

يوضّح سجّاد منجل أنّ أُولى مراحل نشوء الاقتصاد كانت تستهدف سدّ الحاجة اليومية من القوت، ثم تطوّر لإنتاج الفائض الذي يتمّ خزنه، ثم تطوّر إلى مرحلة التبادل بين الأراضي القريبة في المزروعات، وبعدها إلى مرحلة التبادل بين القرى البعيدة، ورافقت ذلك تربية الحيوانات التي دخلت ضمن هذا النظام الاقتصادي، حتّى ظهرت التجارة الخارجية، منبّهاً إلى أنّ كلّ تلك التطوّرات حدثت قبل ظهور الكتابة، التي تأسّست معها النصوص الاقتصادية، علماً أنّ أوّل نصّ اقتصادي مدوّن على الأرض كُتب في بلاد الرافدين، وبدأ معه تشريع القوانين التي نظّمت كلّ المعاملات الاقتصادية.

الصورة
غلاف كتاب سجاد - القسم الثقافي

كانت مضامين هذه النصوص الاقتصادية متنوّعة وكثيرة، بحسب منجل الذي يلفت إلى أن أغلبها كان حول محاصيل زراعية أو متعلّقة بالزراعة نظراً لطبيعة الإنتاج في بلاد الرافدين آنذاك، ولكن ظهرت معها نصوص ذات مضامين كيميائية مثل صناعة العطور وأُخرى حول أنواع الجعة واستخداماتها، إضافة إلى نصوص تتّصل بتجارة الخراف والثيران والزيوت، وصكوك ملكية تضمن قوائم المصروفات في احتفال تطهير الملك؛ أي منحه الطهارة المقدّسة في المعبد، وصدرت بعض هذه النصوص عن جهات رسمية بينما كَتب بعضها الآخر أفراد، وهي تشبه إلى حدّ كبير طريقة كتابة القوائم التجارية المستخدمة في يومنا هذا.

يتابع منجل: "الكتاب يوضّح كيف استخدم سكان بلاد الرافدين مواردهم الذاتية في تكوين نظام اقتصادي كان أنجح نظام في وقته، حيث كُتبت أدقّ التفاصيل بما فيها عدد قطع اللحم المستخدمة في الاحتفالات، وأهمّ مناطق الزراعة ونوع الموادّ الصالحة للزراعة فيها، وتعكس النصوص خليطاً بين استخدام مصادر الجغرافيا والبيئة والعقل، وكيف تمكّن القدماء من فهم كلّ هذه الظروف وانسجموا معها انطلاقاً من مقولة: 'الحاجة أمّ الاختراع'".

يحتوي الكتاب نصوصَ الاحتفال المقدّس، ونصوص واردات المعابد الاقتصادية، ونصوص الثروة الزراعية والحيوانية، وتمّ اختيار زمن النصوص لأنه يمثّل أحد أنجح العصور في بلاد الرافدين حيث تمكّنت سلالة أور الثالثة من نشر نظامها الاقتصادي في دول الجوار.

المساهمون