رحيل ديتر هينريش: بين المثالية الألمانية وفلسفة الوعي

رحيل ديتر هينريش: بين المثالية الألمانية وفلسفة الوعي

23 ديسمبر 2022
ديتر هينريش في وثائقي للمخرج الإيطالي فيتو أموديو، 2013
+ الخط -

رغم تجاوزه التسعين من العمر، إلّا أن الفيلسوف الألماني ديتر هينريش لم ينقطع، في السنوات الماضية، عن الكتابة والنشر، بل وحتى عن إجراء المقابلات الصحافية، والمحاضرات، وحتى تسجيل الكتب الصوتية. ويكفي هنا التذكير بأن آخر أعماله، وهو كتابٌ عن الحُبّ كما يتمظهر في مقولةٍ دينية، كان قد صدر هذا الصيف.

عن خمسةٍ وتسعين عاماً، رحل ديتر هينريش في ميونخ، يوم السبت الماضي، السابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر، لتفقد الساحة الثقافية الألمانية مفكّراً بارزاً وواحداً من أبرز المختصّين، في بلد غوته وخارجه، بالفلسفة المثالية الألمانية.

بين عام 1952 ويومنا هذا، نشر الفيلسوف الراحل أكثر من عشرين عملاً، جزءٌ كبيرٌ منها خصّصه لدراسة المثالية وأبرز أسمائها، مثل هيغل وفيشته وحتى كانط. ورغم أن مئات، وربما آلاف الأطروحات قد كُتبت حول هذه الأسماء الشهيرة، إلّا أن هينريش جاء بجديدٍ في كلّ كتابٍ تقريباً، إنْ كان من خلال "اكتشافه" لفكرة فيشته حول حدس الذات بنفسها قبل أيّ عملية تفكير ("فكرةُ فيشته الأصيلة"، 1967)، أو في قلبه لعِلم الجمال الهيغلي رأساً على عقب ("نقاطٌ ثابتة: أبحاثٌ ومقالات حول نظرية الفنّ"، 2003).

وإذا كان هينريش قد كتب حول العديد من الثيمات الفلسفية والميتافيزيقية ــ من الهوية والموضوعية والجماليات إلى الأخلاق والعلاقة بالآخر ــ فإن مسألة الذات، وتحديداً الوعيُ بالذات، تبقى محور تجربته الفكرية. وقد شهدت أفكاره حول هذا المفهوم تطوّراً كبيراً، حيث دافع في أعماله الأولى عن المفهوم التقليدي للوعي بوصفه علاقةً بين الأنا ونفسها (أي أن الأنا تتّخذ نفسهاً موضوعاً وغرضاً)، قبل أن ينتقل لاحقاً إلى الاعتقاد بأن الوعي لا يحتاج إلى أنا بالضرورة، فهو سابق على كلّ مسعى للتفكير بالذات.

إلى جانب التأليف، ساهم ديتر هينريش بصياغة المشهد الفلسفي الألماني خلال العقود الأخيرة من بابٍ آخر، وهو التعليم، حيث درّس لأكثر من ثلاثة عقود، وتخرّج على يده (وهو الذي وضع أطروحته للدكتوراه تحت إشراف غادامير) عددٌ كبير من دارسي الفلسفة والمشتغلين بها اليوم، والذين حضروا دروسه في جامعات هايدلبرغ وبرلين وميونخ.

المساهمون