ذكرى ميلاد: سليمان البستاني.. رؤية مبكّرة في الإصلاح

ذكرى ميلاد: سليمان البستاني.. رؤية مبكّرة في الإصلاح

22 مايو 2023
سليمان البستاني (1856 - 1925)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، 22 أيار/ مايو، ذكرى ميلاد الشاعر والكاتب اللبناني سليمان البستاني (1856 - 1925).


في كتابه "عبرة وذكرى، أو الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده" (1908)، يشخّص سليمان البستاني ــ الذي تحلّ اليوم الإثنين ذكرى ميلاده ــ لحظته الراهنة بقوله إن "الجَزَع بلغ من أبناء الوطن العثمانيين مبلغ اليأس؛ فباتوا يخالون الرقيَّ والإصلاح من المستحيلات، أو يحسبون أن للدول أدواراً وقد انقضى من بينهنَّ دور دولتهم الباسلة. وكيف يُرمى أبناء الدولة العثمانية بمثل هذا الخمول، وكل مراقب مطّلع يعلم أن مبدأ هذه النهضة يرجع إلى عهد السلطان سليم الثالث".

ويشير الشاعر والكاتب اللبناني (1856 - 1925) إلى أنه لم يبق في البلاد العثمانية رجلٌ واحد من أرباب العقول لا يرى وجوب تبدُّل الحال، موضحاً أن الفئة التي لا تزال تدافع عن الاستبداد هي اليوم من أشدّ الناس تذمّراً من مصير الدولة العثمانية التي عمّها البلاء. 

كما يستعرض تاريخ الإصلاح منذ عهد السلطان سليم الثالث الذي أُجهض مشروعه الإصلاحي في نهاية القرن الثامن عشر، والسلطان محمود الثاني الذي عمد إلى إلغاء قوات الإنكشارية، وصولاً إلى عصر التنظيمات عامَ 1839، في بداية عهد السلطان عبد المجيد، واستمر خلال عهد السلطان عبد العزيز، ثم إعلان الدستور في عام 1876، بدايةَ عهد السلطان عبد الحميد الثاني.

تضمنت دعوته الإصلاحية آنذاك المنادة بحرّية الصحافة والتعليم والأحزاب والرأي والحرّيات الشخصية

ويبدو البستاني متفائلاً ــ في تمهيد الكتاب الذي صدرت طبعة جديدة منه عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" عام 2019، بتحقيق وتقديم خالدة زيادة ــ عقب الانقلالب الدستوري عام 1908، ويستعرض فيه أحوال الدولة العثمانية خلال فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني، والآثار السلبية التي خلّفها الاستبداد في الاقتصاد والسياسة والمجتمع.

ولا يرى بديلاً عن الدستور الذي يضمن صيغة مدنية حديثة تقوم على المواطنة المتساوية بين جميع مكوّنات المجتمع، وأن عودة البرلمان ستقود بلا أدنى ريب إلى نهضة شاملة في جميع المناحي. وتضمّنت دعوته الإصلاحية آنذاك المنادة بحرية الصحافة والتعليم والأحزاب والرأي والحريات الشخصية وإعادة استقطاب اللبنانيين والسوريين في بلاد المهجر، وتأسيس إدارة حديثة لثروات البلاد ومواردها الاقتصادية وماليّتها بما يحول دون استمرار الفساد.

ويختم البستاني كتابه بالقول: "يا حبذا ذلك اليوم الذي نراه مذ الآن في مسارح الخيال، يوم لا يبقى من الاستبداد إلا ألمُ ذِكراه وطربُ الفوز بِدَكِّ معالمه. يوم ينتشر العلم فيسطر الفلاح حساب مزروعاته بخط يده ويتفاهم جميع أبناء البلاد بلا واسطة ترجمان، يوم تنتظم الفتيان جنباً لجنب في فرق الجندية من أبناء كل ملة ودين، يوم تخضل الأرض ولا ينال البحار من مياه الأنهار إلا فضلاتها، ويَهِبُّ أربابُ الأموال إلى تثمير أموالهم في بلادهم فيؤلفون الشركات ويتبارون بإنشاء المعامل وينيلون البر حظّاً مما رزقهم الله زكاة طيبة تُنفق في كل باب ينتفع به أخوهم العاجز والفقير. يوم يخفق العلم العثماني في عرض البحر على أساطيل الدفاع وبواخر التجارة وتتشعب طُرُق النقل برّاً وبحراً تشعب العروق في الجسد. يوم يفاخر أبناء الأُمَّة العثمانية سائر أُمَم الأرض".

يُذكر أن سليمان البستاني وُلد في بلدة بكشتين اللبنانية وتعلّم في "المدرسة الوطنية في بيروت" مدّة ثماني سنوات، واشتغل في التدريس بموازاة الكتابة في صحف عصره، ووضع أول ترجمة شعرية عربية لملحمة هوميروس "الإلياذة"، كما ساهم في تحرير "دائرة المعارف" التي أسسها بطرس البستاني.

المساهمون